ثمّ إنّ من الأعلام من اعتبر في محلّ البحث اتّحاد مورد « الأمر » والنهي إطلاقا وتقييدا ، ففرّع عليه الحكم بخروج المثال المذكور عن محلّ البحث تعليلا بكون متعلّق النهي فيه مطلق الخروج ومتعلّق الأمر مقيّدا بالذهاب إلى المكتب.
واعترض عليه : بأنّ اشتراط اتّحاد المورد من حيث الإطلاق والتقييد يوجب خروج أكثر أمثلة الباب ، إذ كلّها منه كما لا يخفى.
والأولى أن يقال في ردّه : إن كان المراد أنّ الأمر بالمقيّد وارد على ما ليس بمحظور.
ففيه : أنّ حظر الطبيعة يستدعي حظر جميع أفرادها ، كما هو المصرّح به في غير واحد من مواضع كتابه.
وإن كان المراد أنّ النهي هنا ضمنيّ ، ففيه : منع واضح ، حيث لم يظهر منهم اشتراط صراحة النهي إن لم يكن الظاهر خلافه ، على أنّ العبرة في محلّ البحث ـ على ما يشهد به ملاحظة عبائرهم ـ بسبق الحظر سواء استفيد ذلك من نهي صريح أو ضمني ، فلو سأله عن التوضّي بسؤر الحيوان فأمره عليهالسلام بالتوضّي بسؤر ما اكل لحمه من الحيوان يكون من محلّ الخلاف ، كما أنّه لو سأله عن شرب سؤر السنّور فأمره بشرب سؤر ما ليس بنجس العين من الحيوان يكون منه ، بل لو سأله عن استعمال قليل لاقاه النجاسة فأمره باستعمال الجاري الّذي لاقاه النجاسة يكون منه ، والفرق بين الأمثلة أنّ النسبة بين مورد الحظر والأمر في الأوّلين عموم مطلق مع وضوح الفرق بينهما ، وفي الأخير عموم من وجه.
وقضيّة ذلك بقاء مادّة الافتراق من جانب الحظر وهو القليل الراكد في المثال تحت الحظر.
وينبغي القطع أيضا بعدم الفرق بين كون الحظر والأمر مستفادين من منطوق الكلام أو فحواه ، فلو سأله عن شرب سؤر الجلاّل ، فأمره بالتوضّي بسؤره يكون من محلّ البحث ، لدلالة السؤال على الحظر في التوضّي والاغتسال بالفحوى ، كدلالة الجواب على الأمر بالشرب بالفحوى.
وينبغي القطع أيضا بأنّ المراد من « الأمر » في محلّ البحث ما كان واردا في سياق التنبيه على رفع الحظر على حسب تحقّقه في المقام ، باعتبار اليقين أو الظنّ أو الاحتمال ولو مرجوحا ، فلو قال : « صلّ » بعد ما نهى عن الغصب لا يكون من محلّ البحث في شيء ، بناء على جعل العامّين من وجه من أفراده كما تقدّم.
فهل المراد بالرفع ما يكون سنخيّا أو أعمّ منه ومن الشخصي؟ وجهان من ظهور الرفع