وخالف في ذلك قوم فقالوا : بإفادتها التكرار * ، ونزّلوها منزلة أن يقال : « إفعل أبدا » ، وآخرون فجعلوها للمرّة من غير زيادة عليها ** ،
__________________
المطلوب بالأمر هو الفرد ، والنافي لدلالته عليهما قائل بتعلّقه بالطبائع حيث يقول بدلالته على مجرّد طلب مطلق الحدث من غير دلالة على مرّة ولا تكرار ليس بشيء ، فإنّ المرّة والتكرار ـ على ما ستعرف تفسيريهما ـ حالتان في الماهيّة لا ملازمة بينهما وبين تعلّق الحكم بالفرد نفيا وإثباتا ، فيجتمع القول به مع القول بهما كاجتماعه مع القول بخلافهما ، فيقال حينئذ : أنّ الصيغة وإن كانت بحسب الوضع لطلب الماهيّة المطلقة أو المقيّدة بالمرّة أو التكرار إلاّ أنّ القرينة الخارجيّة قد دلّت على أنّ متعلّق الحكم المستفاد منها هو الفرد لا الماهيّة المطلقة أو المقيّدة بالمرّة أو التكرار من حيث هي.
غاية الأمر أنّ الأخيرين يستدعيان اتّحاد الفرد المأمور به وتعدّده ، كما أنّ الأوّل يستلزم كون الفرد ملحوظا لا بشرط الوحدة والتعدّد ، ضرورة أنّ الفرد هو الماهيّة المتشخّصة بالوجود ولوازمه فيعتبر فيه ما اعتبر في الماهيّة المتحقّقة في ضمنه من الإطلاق والتقييد بالقياس إلى المرّة والتكرار المستلزمين للوحدة والتعدّد ، كما أنّ القول بتعلّق الحكم بالطبيعة يجتمع كلاّ من الوجوه ، فيعبّر حينئذ بالطبيعة المطلقة أو المقيّدة بالمرّة أو التكرار.
* المتبادر منه في العرف فعل الشيء مرّة بعد اخرى ، ولكنّ المراد به هاهنا الاستمرار بفعل المأمور به من الطبيعة أو الفرد على حسبما يقتضيه الإمكان عقلا وشرعا ، كما يومئ إليه قول المصنّف ، فنزّلوها منزلة « افعل أبدا » نظرا إلى أنّ الدوام مقيّد عندهم بما ذكر من الإمكان حسبما يتبيّن فيما بعد ذلك ، وصرّح به السيّد في المنية ، والقول به محكيّ عن أبي إسحاق الاسفرائني وجماعة من الفقهاء والمتكلّمين كما في المنية ، وربّما يحكى حكايته عن أبي حنيفة والمعتزلة.
والّذي يظهر من مطاوي كلماتهم أنّ المراد بالتكرار ما كان استقلاليّا ، بأن لا يتوقّف الامتثال بالسابق على الإتيان باللاحق.
غاية الأمر أنّه يأثم بترك اللاحق ، فكأنّ الأمر الواحد ينحلّ إلى أوامر متعدّدة على حسب تعدّد الإتيانات ، مع احتمال كونه ارتباطيّا بأن يكون الجميع امتثالا واحدا فكأنّ كلاّ جزء من المأمور به فلا يحصل الامتثال بالأوّل إلاّ مع انضمام الباقي إليه ، ولا يخفى بعده وإن ذكره بعض الأجلّة متساويا للأوّل.
** قيل : بأنّه محكيّ عن جمع كثير ، وعن أبي الحسين أيضا ، وكذا عن ظاهر الشافعي ،