في المثال من جهة قرينة المقام وشهادة الحال والخصم لا ينكره.
حجّة القول بالتكرار : غلبة وروده للتكرار في الشرع ، كقوله (١) تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا )(٢) و ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )(٣) و ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا )(٤) و ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا )(٥) و ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا )(٦) إلى غير ذلك من الآيات والروايات ، فإنّ الأمر يتكرّر فيها بتكرّر الشرط ، فكذا فيما يحصل فيه الشكّ إلحاقا بالغالب.
وقد يقرّر : بأنّ كلّ أمر ورد في الكتاب والسنّة معلّقا عليهما يفيد التكرار ، وليس ذلك إلاّ لكونه لغة كذلك ، وإلاّ لزم المجاز والنقل المخالفان للأصل.
ويقرّر أيضا : بأنّ الغالب في التعليق على الشرط إفادة التسبيب وكون الأوّل قاضيا بترتّب الثاني عليه ، ألا ترى أنّ قولك : « إن جاءك زيد فأكرمه » و « إن ضربك فاضربه » و « إن قاتلك فاقتله » و « إن جاءك فأعنه » و « إن زارك فزره » إلى غير ذلك من الأمثلة إنّما يفيد ترتّب الثاني على الأوّل وتسبّبه عنه ، ثمّ يستشهد له بما تقدّم من تنصيص أهل المنطق.
وأجيب عن الأوّل : بأنّ التكرار فيما ذكر إنّما هو من جهة فهم العلّيّة ، ولا إشكال فيه ، ولا يخفى وهنه.
بل الأولى أن يجاب : بأنّ الاستقراء في الشرعيّات ـ إن تمّ أركانه مفيدا للظنّ باللحوق ـ يصلح دليلا على الحمل على التكرار في موضع الشكّ والاشتباه ، وحمله عليه لقيام دليل عليه ليس ممّا ينكره أحد ، وهو لا يقضي بكون التعليق من حيث هو ممّا يفيد التكرار عرفا كما هو محلّ البحث.
وعن الثاني : بمنع الكلّية ، فإنّ الحجّ معلّق على الاستطاعة مع عدم تكرّره بتكرّرها.
نعم أغلب العبادات كذلك ، وبأغلبيّتها لا يثبت الغلبة مطلقا ، مع أنّ الغلبة لا تكون دليلا شرعيّا ، وهو أيضا كسابقه في الوهن.
والأولى أن يقال : أنّ كون كلّ أمر معلّق في الكتاب والسنّة كذلك ـ على فرض تسليمه ـ لا يلازم كونه في العرف واللغة أيضا كذلك ، ولا يلزم من ذلك مجاز فيما ذكر ليكون مخالفا للأصل ، لجواز كون الاستعمال في ذلك من باب إطلاق الكلّي على الفرد بإرادة الماهيّة من اللفظ والتكرار من الخارج ، نظرا إلى ما تقرّر من أنّه في اللغة والعرف لطلب
__________________
(١) في الأصل : « فإنّ قوله الخ » والصواب ما أثبتناه في المتن.
(٢ ـ ٤) المائدة : ٦.
(٥) النور : ٢.
(٦) المائدة : ٣٨.