والمراد بالثاني : ما يراد من فعلي الأمر والنهي ، ويقصد بها إنشاء الطلب الّذي يعبّر عنه بـ « النسبة الطلبيّة » وقرينة المقابلة قاضية بكون الزمان المأخوذ في مفهوميهما قيدا لتلك النسبة لا النسبة الفاعليّة ، مع كونه ممّا يساعده الفهم العرفي أيضا ، فإنّ الزمان الّذي يقع فيه الحدث لا يكاد ينفهم من اللفظ سواء فرضناه الحال أو الاستقبال ، وإنّما المنساق منه عرفا كون الشيء مطلوبا في الحال فعله أو تركه على الإطلاق.
وإلى ذلك ينظر ما عن السيّد الشريف من أنّ مفاد « أكرم زيدا » طلب في الحال لإكرام زيد في الاستقبال ، فإنّه في الجزء الأوّل من مدّعاه صواب وإن أخطأ في الجزء الثاني ، نظرا إلى أنّ الحدث لا يتبادر معه زمان وإنّما المتبادر ماهيّته القابلة لكلّ زمان.
فما يقال في الجواب ـ عن الاستدلال بما تقدّم ـ : بمنع ثبوت اتّفاق النحاة على ما ذكر تارة ، وضعف قولهم بمخالفة علماء الاصول والبيان ثانية مبنيّ على الملازمة الموهومة وقد عرفت منعها.
الأمر السادس : في تأسيس الأصل الموجب للتفصّي عن الإشكال في كلّ موضع خال على حكمه عن دليل دالّ ، ولمّا كان الأصل قد ينظر إليه في مقام الاجتهاد والنظر في متعلّق الوضع ، وقد ينظر في مقام العمل والنظر في متعلّق التكليف فلابدّ من تأسيسه في مقامين :
أمّا المقام الأوّل : فلا ريب أنّ مقتضى الأصل فيه كون الأمر لطلب الماهيّة من حيث هي مع قطع النظر عن الفور أو التراخي ، فإنّ الوضع لا شكّ في عدم تعلّقه بشيء قبل تأسيس أساسه لكونه مسبوقا بالعدم الأزلي ، وإنّما انتقض ذلك بعد حدوثه على سبيل الجزم واليقين بالنسبة إلى أصل الماهيّة ، لتيقّن تعلّقه بها على كلّ تقدير ، وإنّما الشبهة حاصلة بالنسبة إلى تعلّقه بما زاد عليها معها ، والأصل عدمه أخذا بموجب اليقين السابق ، إلاّ أنّ اعتباره في أمثاله مبنيّ على إفادته الوصف وهو محلّ تأمّل ، وتحقيق الحال فيه نفيا وإثباتا يحتاج إلى إمعان النظر بالتخلية التامّة.
وأمّا المقام الثاني : فلا ريب أنّ الأصل في ذلك إنّما يثمر للقول بالاشتراك لفظا بين الفور والتراخي مع انتفاء ما يوجب تعيّن أحد الأمرين في الإرادة من القرائن وللقول بالوقف أيضا.
وقد يثمر للقائل بالفور إذا لم يتحقّق عنده كونه بأيّ من المعاني المحتملة فيه ممّا سنقرّرها ، وللقائل بالتراخي أيضا إذا اشتبه بين جوازه ووجوبه ولم يعلم حقيقة الحال.