فنقول : إنّ الفور على القول به يحتمل كونه من قبيل المضيّق بالمعنى الأخصّ الموجب لسقوط الأمر بمجرّد التأخير عن وقته مع ترتّب الإثم عليه ، كما يحتمل كونه من باب المضيّق بالمعنى الأعمّ المستلزم لبقاء الأمر مع التأخير وإن ترتّب عليه الإثم ، وعليه فإمّا أن يكون الباقي هو الأمر بالماهيّة من دون اعتبار التعجيل معها المستلزم لعدم العصيان بالتأخير عن الثاني إلى الثالث وعنه إلى الرابع وهكذا ، أو الأمر بها مع اعتبار التعجيل معها في جميع المراتب الموجب للعصيان بكلّ تأخير في كلّ مرتبة ، فقد يلاحظ فيما بين التراخي بكلّ من احتماليه وبين الفور بكلّ من محتملاته ، وقد يلاحظ فيما بين محتملات الفور ، وقد يلاحظ بين احتمالي التراخي.
فإذا دار الأمر بين جواز التراخي ووجوب الفور بالمعنى الأوّل فالأصل هو الأوّل ، لأنّ الفور بذلك المعنى يستلزم العقاب على التأخير مع ارتفاع الأمر بعده ، والأوّل ينفيه أصالة البراءة والثاني ينفيه الاستصحاب.
وتوهّم معارضة الأوّل بمثله ، نظرا إلى أنّه كما أنّ الأصل براءة الذمّة عن العقاب بالتأخير عن الزمان الأوّل فكذلك الأصل براءة الذمّة عن التكليف في الزمان الثاني وغيره ممّا تعقّبه.
يندفع : بأنّه لو صحّ ذلك لكان في مقابلة الاستصحاب الوارد عليه في أمثال المقام فلا أثر له حينئذ.
كما أنّ توهّم معارضة الثاني بأصل الشغل ، نظرا إلى أنّ اليقين بالامتثال بعد تيقّن الاشتغال إنّما يحصل بعدم التأخير لا معه ، يندفع : بعدم صلوح ذلك للمعارضة مع الاستصحاب.
وإذا دار الأمر بين جواز التراخي ووجوب الفور بالمعنى الثاني فأصالة البراءة عن العقاب بالتأخير قاضية بتعيّن الأوّل ، ولا يعارضها أصل الشغل لأنّه لو تمّ لقضى بعدم الصحّة فيما عدا الزمان الأوّل والفور بالمعنى المفروض ينافيه ، فهو لا يوافق الفور أيضا كما لا يوافق التراخي ليكون معارضا لما ذكرناه من الأصل القاضي بالتراخي.
وإذا دار الأمر بين جواز التراخي ووجوب الفور بالمعنى الثالث فأصالة البراءة عن العقاب في كلّ من أجزاء الزمان أيضا قاضية بتعيّن الأوّل ولا معارض لها أيضا.
وإذا دار الأمر بين وجوب التراخي ووجوب الفور بالمعنى الأوّل فأصالة البراءة عن