العقاب بالتأخير معارضة بأصالة البراءة عن العقاب بالفور ، فيبقى إستصحاب الأمر مقتضيا للتراخي ، لاستلزام الفور بذلك المعنى إرتفاع الأمر والأصل عدمه ، وأصل الشغل غير جار هنا لدوران الأمر بين المحذورين الموجب لفقد القدر المتيقّن.
وإذا دار الأمر بين وجوب التراخي ووجوب الفور بالمعنى الثاني فلا أصل في البين ، فلا مفرّ من التخيير لعدم إمكان الاحتياط ، ويمكن الجمع بين التأخير وعدمه القاضي بوجوب الإتيان مكرّرا تحصيلا للبراءة اليقينيّة وهو الأقرب كما لا يخفى فتأمّل (١).
وإذا دار الأمر بين وجوب التراخي ووجوب الفور بالمعنى الأخير فأصالة البراءة عن العقاب على التأخير في غير الزمان الأوّل إلى ما بعده ترجّح الأوّل ، بعد تصادم الأصلين بالنسبة إلى التأخير عن الزمان الأوّل معا وتساقطهما.
وإذا دار الأمر بين قسمي التراخي فالمتعيّن هو الأوّل ، لأصالة البراءة عن العقاب على التعجيل إلاّ أن يعارضهما أصل الشغل القاضي بتعيّن التأخير ، لأنّه الّذي يوجب اليقين بالبراءة دون عدمه إن لم يكن في موضع الشكّ في الشرطيّة ، وإلاّ فيقدّم عليه أصالة البراءة لما هو المقرّر في أمثال المقام.
وإذا دار الأمر بين الأوّل والثاني من معاني الفور فأصالة البراءة عن تعدّد التكليف ترجّح الأوّل ، ولا يعارضها استصحاب الأمر المرجّح للثاني ، لكونه في موضع انتفاء أحد ركنيه من الشكّ اللاحق أو اليقين السابق ، إذ لو اريد من المستصحب الأمر بالفرد فهو مرتفع جزما بفوات وقته وهو زمان الفور.
ولو اريد به الأمر بالطبيعة أيضا فهو عن أوّل الأمر كان مشكوكا فيه.
اللهمّ إلاّ أن يراد بالطبيعة ما هي متحقّقة في ضمن الفرد ، فغاية ما علم بارتفاعه إنّما هو الأمر بالخصوصيّة دون الطبيعة الّتي في ضمنها.
وفيه : مع ابتنائه على بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل وهو محلّ تأمّل ، أنّ الأمر لا يتبعّض حتّى يرتفع بعضه بارتفاع الخصوصيّة ويبقى بعضه الآخر ببقاء الطبيعة.
وإذا دار الأمر بين الأوّل والثالث من معاني الفور فالكلام فيه نظير ما تقدّم ، لأصالة
__________________
(١) وجهه : عدم منافاة التأخير لحصول البراءة ، إذ المفروض كون الفور ممّا يجزي معه الإتيان مؤخّرا ، غايته ترتّب الإثم على نفس التأخير ، فقضيّة لزوم القطع بالبراءة بعد اليقين بالاشتغال هو الإتيان مؤخّرا ، إذ مع التقديم لا يحصل ذلك القطع كما لا يخفى ( منه ).