الأوّل : أنّ السيّد إذا قال لعبده : اسقني * ؛ فأخّر العبد السقي من غير عذر ، عدّ عاصيا ، وذلك معلوم من العرف. ولو لا إفادته الفور ، لم يعدّ عاصيا.
وأجيب عنه : بأنّ ذلك إنّما يفهم بالقرينة ؛ لأنّ العادة قاضية بأنّ طلب السّقي إنّما يكون عند الحاجة إليه عاجلا ** ، ومحلّ النزاع ما تكون الصيغة فيه مجرّدة.
الثاني : أنّه تعالى ذمّ إبليس لعنه الله ، على ترك السجود لآدم عليهالسلام ، بقوله
__________________
* وربّما يضاف إلى الوجه المذكور في تقرير التبادر ما عن السكّاكي من أنّه قال : « حقّ الأمر الفور ، لأنّه المتبادر الظاهر من الطلب عند الإطلاق كما في الاستفهام والنداء ، فلو أمر بالقيام بعد الأمر بالاضطجاع لكان المفهوم منه نسخ الأمر الأوّل ، ولو كان للماهيّة لما كان كذلك ».
والجواب عن الأوّل : ما ذكره المصنّف.
وأمّا عن الثاني فاجيب : بأنّ فهم النسخ ـ لو سلّم ـ لا يستلزم الفوريّة وهو ظاهر ، لأنّ الأمر الصادر عقيب أمر آخر مناقض له مع ظهوره في الدوام ، وتمكّن المكلّف من الامتثال بالأمر الأوّل ظاهر في كونه ناسخا للأوّل ، سواء قلنا بأنّ الأمر للفور أو التراخي ، مع أنّه يمكن أن يقال : بعدم تحقّق النسخ في الواجبات الفوريّة المطلقة لأنّها ـ على التحقيق ـ يرجع إلى الموقّتات المضيّقة ، وبعد انقضاء الوقت لا يعقل النسخ ، وكذلك قبل انقضائه إذا كان وقت الفعل مساويا لأدائه كموضع النزاع على الفرض.
ولا يخفى وهن الوجه الثاني ، فإنّ كون المقام من قبيل الموقّت الّذي يفوت بفوات وقته فلا يعقل فيه النسخ إنّما يستقيم على الأوّل من معاني الفور المتقدّم ذكرها ، وأمّا على البواقي فالنسخ معقول جدّا.
وإنّما الحاسم لمادّة هذا الكلام هو الوجه الأوّل ، فإنّ فهم النسخ فيما ذكر من المثال لا ينافي شيئا من الماهيّة والتراخي ، بل هو فيهما أظهر منه على الفور ، لاحتمال كون الأمر الثاني على هذا التقدير لاحقا بالأمر الأوّل بعد فوات وقته ، نظرا إلى جواز كونه تقييديّا كما في الأوّل من معانيه.
** واورد عليه : بأنّ وجود القرينة ـ على فرض تسليمه ـ لا يكفي بمجرّده في