الثالث : أنّه لو شرع التأخير لوجب أن يكون إلى وقت معيّن ، واللاّزم منتف. أمّا الملازمة ، فلأنّه لولاه لكان إلى آخر أزمنة الإمكان اتفاقا ، ولا يستقيم ؛ لأنّه غير معلوم ، والجهل به يستلزم التكليف بالمحال ؛ إذ يجب على المكلّف حينئذ أن لا يؤخّر الفعل عن وقته ، مع أنّه لا يعلم ذلك الوقت الّذي كلّف بالمنع عن التأخير * عنه. وأمّا انتفاء اللاّزم فلأنّه ليس في الأمر إشعار بتعيين الوقت ، ولا عليه دليل من خارج.
__________________
السجود وعدم عزمه عليه ، بل عزمه على الترك والمخالفة استكبارا وافتخارا ، كما يشهد به قوله تعالى حكاية عنه : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )(١).
واجيب أيضا تارة : بأنّ الذمّ كما يحتمل أن يكون باعتبار ما ذكر ، كذا يحتمل أن يكون لرفعه عن امتثال الأمر واستكباره كما يشهد به قوله سبحانه : ( إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ )(٢).
واخرى : بمنع كون الاستفهام ذمّا ، وإنّما يتمّ ذلك لو كان للتوبيخ وهو غير متعيّن ، لجواز أن يكون تقريرا على الباعث ليقوم عليه الحجّة في الطرد والإبعاد.
وثالثة : بمنع كون الفوريّة قد استفيدت من الصيغة لجواز كونها قد استفيدت من قرينة حاليّة أو مقاليّة.
قيل : ولو دفع هذا الاحتمال بأصالة عدمها ، فعورض بأصالة عدمها أيضا في الأوامر الموسّعة كما ادّعاها الخصم فيها مع أنّها أغلب.
ويمكن الجواب أيضا : بأنّ التعبير بقوله تعالى : ( أَلاَّ تَسْجُدَ )(٣) دون « أن لا تبادر أو تسارع » ظاهر في تركه أصل السجود ، وهو يجامع الفور التقييدي والموقّت مع فوات وقته ، والموسّع مع العزم على المعصية فيكون أعمّ وهو لا ينهض دليلا على الأخصّ.
* وقد يقرّر تلك المقدّمة : بأنّه حيث يجب على المكلّف أن يؤخّر الفعل إلى وقت لا يعلمه والفرق بينهما واضح.
وما أورده المصنّف في دفع الاستدلال يستقيم على التقرير الثاني دون الأوّل كما ستعرفه.
__________________
(١) الأعراف : ١٢.
(٢) البقرة : ٣٤.
(٣) الأعراف : ١٢.