وفي بعض الروايات عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل ا عزّ وجلّ إلاّ الدين ، فإنّه لا كفّارة له إلاّ أدائه ، أو يقضى صاحبه ، أو يعفو الّذي له الحقّ » (١).
وبالجملة ثبوت المغفرة بفعل الطاعة يقيني في الجملة لا إشكال فيه ، بل هو اتّفاقي لا خلاف فيه ، وكذلك الحبط بمعنى ذهاب الحسنات ببعض السيّئات من دون أن يذهب من السيّئة شيء ، فإنّ الشرك موجب لذلك إجماعا ولا يقدح فيه ظهور قوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )(٢) لخروج الآيات الصريحة والأخبار المتواترة والإجماع الضروري مخصّصة ، فلا وجه لمنع الصغرى بالمرّة.
نعم يتّجه المنع عن كلّية هذه الدعوى ـ كما في كلام فحول الأجلّة ـ ومعه لا يتمّ الاستدلال ، ولا يجديه ضمّ عدم القول بالفصل لثبوت القول به جزما ، فإنّ من الأصحاب جماعة يخصّصون المكفّرية بالتوبة وغيرها من الطاعات في الجملة.
فما قيل : من أنّ الظاهر من سبب المغفرة هو التوبة لا فعل المأمور به فإنّه سبب للثواب لا للمغفرة ، فإن اريد به سلب العموم فمرحبا بالوفاق ، وإن اريد به عموم السلب فيكفي في ردّه ما أشرنا إليه من النصوص.
وربّما يورد أيضا : بمنع عموم الآية بالقياس إلى كلّ مأمور إذ ربّ مأمور لا ذنب له ، وأقلّ مراتبه من كان في أوّل بلوغه ، وليس في الآية ما يقضي بعموم الأسباب حتّى تفيد وجوب المسارعة في كلّ أمر يكون.
وقد يجاب عنه : بعدم القول بالفصل ، وقد يقال : بأنّه لو قرّر الاستدلال بقوله تعالى : ( وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ )(٣) لاندفع الإشكالان معا ، لأنّ كلّ واجب سبب للدخول في الجنّة كما أنّ كلّ مأمور يصلح لذلك ، فيعمّ الآية جميع الأسباب وكلّ المأمورين.
وربّما يقال في دفع الإشكال الأوّل أيضا : بأنّ المغفرة في الآية نكرة قد وصفت بصفة جنسها وهو من موجبات العموم ، كما نصّوا عليه في قوله تعالى : ( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ )(٤) فتشمل جميع الأسباب. وبه يندفع ما قيل أيضا : من أنّه لا يفيد إلاّ وجوب المسارعة إلى السبب في الجملة ، فإذا تعدّد الأسباب ـ كما في محلّ البحث نظرا
__________________
(١) الوسائل ١٣ : ٨٣ ، الباب ٤ من أبواب الدين والقرض ، ح ١.
(٢) الزلزلة : ٦ و ٧.
(٣) الحديد : ٢١.
(٤) الأنعام : ٣٨.