إلى أنّ أحد الأسباب فيه التوبة الّتي فوريّتها مجمع عليها ـ فلا يفيد إلاّ فوريّة أحدها ، وهو لا يستلزم المطلوب.
وفيه : منع أصل القاعدة أوّلا ، لعدم انحصار فائدة وصف النكرة بصفة الجنس في إفادة العموم ، بل قد تكون لغيرها كإفادة التعظيم والترغيب وغيرها ، ولعلّ المقام منه ، ومنع كون المقام من باب التوصيف بصفة الجنس ثانيا ، فإنّ المغفرة قد تكون من فعل غيره سبحانه كما قيل ، مع أنّه يلزم من إرادة العموم شمول الحكم لما لا يعقل فيه وجوب الفور كالمستحبّات ، ولما لا يجب فيه الفور إجماعا كالموسّعات الموقّتة وغيرها ، فلابدّ من حمل الأمر على الندب ليندفع به المحذور.
وحمله على القدر الجامع من باب عموم المجاز لدفع ذلك المحذور كما في « اغتسل للجمعة وللزيارة وللجنابة ولمسّ الميّت » وغير ذلك وإن كان صحيحا إلاّ أنّه مرجوح بالقياس إلى الندب ، لشيوع إطلاقه عليه شرعا ـ بل عرفا ـ بحيث بلغ في الشيوع حدّا زعمه المصنّف وغيره من المجازات الراجحة المساوي احتمالها لاحتمال الحقيقة.
ويؤيّده الذوق والاعتبار القاضيين بإرادة الندب والإرشاد في أمثال المقام ، كما في قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )(١) ولدفع المحذور وإن كان ارتكاب التخصيص مجديا إلاّ أنّه لا مسرح له في المقام ، لكونه بمرجوحيّة تخصيص الأكثر جدّا مرجوحا في مقابلة ما ذكر من التجوّز ، فلا يرد أنّه في مقام المعارضة مقدّم على المجاز كما قرّر في محلّه.
وبما ذكرنا ينقدح الجواب عن العموم لو اريد إثباته بدليل الحكمة ، التفاتا إلى أنّ سبب المغفرة لا يحمل على المعيّن حيث لا عهد ولا تعيين ، ولا على غيره لئلاّ يلزم الإغراء بالجهل ، فيحمل على الجميع وهو المطلوب.
مضافا إلى أنّ قاعدة الحكمة إنّما تجري في موضع التواطي ، لأنّ من مقدّماتها إنتفاء العهد وفقدان ما يصلح للتعيين فمع التشكيك الموجب لظهور بعض الأفراد لا مجرى لها ، لصلوح الظهور في البعض لكون معيّنا ، فلذلك تراهم ينزّلون المطلقات المشكّكة على أفرادها الشائعة ، والمقام منه ضرورة كون التوبة أظهر الأفراد وأشيعها مع كون سببيّتها للمغفرة وفوريّتها مجمعا عليهما ، فتحمل الآية عليها من دون افتقار إلى إحراز العموم المستلزم لمحاذير اخر.
__________________
(١) النساء : ٥٩.