وقوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) فإنّ فعل المأمور به من الخيرات ؛ فيجب الاستباق إليه *. وإنّما يتحقّق المسارعة والاستباق بأن يفعل بالفور.
__________________
وأمّا ما يقال أيضا ـ في دفع الاستدلال بتلك الآية والآية الآتية ـ تارة : بأنّ ظاهرهما معارض بظاهر الأوامر المطلقة ، فإنّها بإطلاقها تدلّ على التوسعة فتقدّم على الآيتين ، لكون كلّ واحدة أخصّ من كلّ واحدة ، والخاصّ مقدّم في مقام المعارضة على العامّ.
واخرى : بأنّ الأمر إن كان للفور يلزم أن يكون الآية ـ بناء على دلالتها على الفور ـ تأكيدا ، وإن كان للماهيّة يلزم التأسيس ، ولا ريب في تقدّم التأسيس على التأكيد.
وثالثة : بأنّ الآيتين لو سلّم ظهورهما في الوجوب فهو ظهور ، وما ذكرنا من التبادر وغيره في الماهيّة في الأوامر المطلقة ظهور ، ولا ريب أنّ هذا أقوى منه فيحمل الآيتان على الأستحباب ، فكلّها مدخولة لا ينبغي الالتفات إليها.
نعم يرد عليهما : أنّه لو اريد بهما إثبات الوضع لغة أو شرعا فهما قاصرتان عن إفادته ، بل ربّما قيل : بأنّ فيهما إشعارا بعدم دلالته لغة على الفور وإلاّ لما احتاج إلى البيان ، وإن اريد ما وراء ذلك فليس من المتنازع فيه كما تقدّم ، وصرّح به غير واحد من الأجلّة.
ومع الغضّ عن جميع ما ذكر نقول : إنّهما على ما يساعده الانسباق العرفي والفهم الصافي كنايتان عن فعل الطاعات ، ومراد بهما الحثّ والتحريص على إكثارها وممارستها والمبالغة على الاعتبار بشأنها من غير نظر فيهما إلى فور ولا مبادرة ، وإن كان موضوعهما اللغوي هو المبادرة على ما نصّ عليه غير واحد من أهل اللغة ، كما يقال : « سارع إلى إصلاح أمرك ، أو إهلاك عدوّك » أي لا تقصر ولا تهمل.
* يرد عليه : كثير ممّا تقدّم ، مضافا إلى ما قيل : من أنّ مفاد الاستباق هو مسابقة البعض لآخر في أداء الخيرات والتسابق عليها ، دون مطلق الإسراع إلى الفعل ليراد منه الفور فلا يوافق المدّعى ، فلابدّ حينئذ من حملها على الندب ، إذ لا قائل بوجوب المسابقة على الطاعات على الوجه المذكور.
وأمّا ما قيل في الذبّ عنه : من أنّه لمّا كان ظاهر الآية الوجوب ولم يكن الاستباق على هذا الوجه واجبا قطعا ، فيصير ذلك قرينة على حمل الاستباق على مطلق المسارعة.
ففيه : أنّ الأمر في الندب أظهر عرفا من الاستباق في مطلق المسارعة ، فتعيّن المصير إليه جزما.