واجيب : بأنّ ذلك محمول على أفضليّة المسارعة والاستباق ، لا على وجوبهما ، وإلاّ لوجب الفور ، فلا يتحقّق المسارعة والاستباق ؛ لأنّهما إنّما يتصوّران في الموسّع دون المضيّق ، ألا ترى أنّه لا يقال لمن قيل له « صم غدا » فصام : « إنّه سارع إليه واستبق ». والحاصل : أنّ العرف قاض بأنّ الإتيان بالمأمور به في الوقت الّذي لا يجوز تأخيره عنه لا يسمّى مسارعة واستباقا ؛ فلابدّ من حمل الأمر في الآيتين على الندب ، وإلاّ لكان مفاد الصيغة فيهما منافيا لما تقتضيه المادّة *.
__________________
* وتوضيح ذلك : أنّ الصيغة على تقدير إرادة الوجوب عنها مقتضية للتضييق ، والمادّة بشهادة العرف والاستعمال مقتضية للتوسعة ، وهما متنافيان وحمل الآيتين عليهما غير جائز ، فلابدّ من حملهما على الندب.
واورد عليه : بأنّ الأمر على تقدير كونه لوجوب الفور كان مفاده حصول العصيان والإثم بالتأخير لا عدم الصحّة في الزمان المتأخّر ، ومقتضى المسارعة ليس إلاّ الصحّة في الزمان المتأخّر لا عدم الإثم ، فلا منافاة بين المادّة والصيغة حينئذ ، لجواز الصحّة مع الإثم على التأخير كما في الحجّ ، فيكون معنى الآية : أنّ ما يصحّ فعله في الزمان المتأخّر يجب فعله على الفور.
وأوضح منه ما في كلام بعض الأفاضل : « من أنّ الزمان قد يؤخذ في الفعل على وجه لا يتصوّر الإتيان به في غير ذلك الزمان ، كما في « صم يوم الجمعة » نظرا إلى أنّه لا يعقل إيقاع ذلك الواجب في غير ذلك الزمان.
وقد يؤخذ شرطا لصحّته من غير أن يؤخذ جزء لمفهومه ، فيمكن تأخير الفعل عن ذلك الزمان إلاّ أنّه لا يتّصف حينئذ بالصحّة.
وقد يكون إيقاعه فيه واجبا موجبا لحرمة تأخيره عنه إلاّ أنّه لا يفوت الواجب بفواته ، فيكون نفس الفعل واجبا مطلقا [ وخصّ إيقاعه في ذلك الوقت واجبا ](١) وقد يكون على وجه الرجحان.
__________________
(١) أضفناه من هداية المسترشدين.