وجوابه : أمّا أوّلا فبأنّه قياس في اللغة * ، لأنّك قست الأمر في إفادته
__________________
الباب حيث يقصد القائل فيه الزمان الحاضر لإيقاع الطلب كما سبق تحقيقه ، ولكنّه لا يجدي في إثبات المطلوب نفعا.
وإن اريد به قصد الزمان الحاضر لوقوع النسبة في الواقع وتحقّق الحدث فيه فهو في حيّز المنع ، كيف وهي محتملة لجميع الأزمنة ، كما أنّ الحدث بحسب الوقوع الخارجي قابل لكلّ واحد منها على سبيل البدليّة من أنّ من جملة الأخبار ما لا يقصد إلاّ المضيّ من الزمان كـ « زيد قام » و « عمرو علم » وما لا يقصد إلاّ الاستقبال من الزمان كـ « زيد يقوم » و « عمرو يعلم » والإنشاءآت من العقود والإيقاعات لا يقصد بها زمان أصلا ـ بناء على ما يساعده التحقيق ـ وإنّما يقصد بها إيجاد الأسباب ليترتّب عليها المسبّبات من دون اعتبار زمان فيها ، فإذا كان الأفراد المستقرأ فيها أو المقيس عليها في اختلاف الحكم بهذه المثابة مع عدم الغلبة في شيء منها فكيف يعلم حال المشكوك فيه ، وبم يلحق حتّى لا يلزم الترجيح من غير مرجّح ، أو اعتبار الحكم المخالف للأصل من غير دليل.
* أجاب به المصنّف تبعا للحاجبي والعضدي ـ على ما حكي عنهما ـ وفيه نظر بل واقع على خلاف التحقيق ، فإنّ المستدلّ إنّما رام بما قرّره التمسّك بالاستقراء بقرينة قوله : « فكذا الأمر إلحاقا له بالأعمّ الأغلب » ضرورة أنّ القياس لا يعتبر فيه غلبة ولا ينظر معه إلى الغالب كما هو معلوم عن حدّه المذكور في محلّه ، وإنّما ينظر فيه إلى الجامع بين الأصل والفرع والاستدلال خال عن التعرّض لذكره فهو قرينة اخرى على بطلان ما فهموه ، فلذا أطبق المحقّقون وفحول أئمّة الاصول على تخطئتهم والإيراد عليهم بما ذكر ، وهو طريق معهود إلى إثبات الأوضاع في جميع اللغات ولا سيّما في الأوضاع النوعيّة الثابتة في الألفاظ المفردة والمركبّة ، ولا سيّما المشتقّات اسميّة وفعليّة.
ومن هنا تبيّن فساد الجواب الآخر ، فإنّ إبداء الفارق إنّما يصلح ردّا على المستدلّ لو كان نظره إلى القياس ، ولقد عرفت بطلانه.
فالتحقيق في الجواب أن يقال : إنّ أوّل ما يرد على الاستدلال أنّ الاستقراء وإن كان معتبرا في حدّ نفسه إلاّ أنّه في مقام المعارضة غير مقاوم للأدلّة المتقدّمة القاضية بالوضع للماهيّة من التبادر وغيره ، نظرا إلى أنّ اعتباره إنّما هو من باب الوصف الّذي لا يحصل مع وجود تلك الأدلّة إلاّ عنها.