ذكرناه فيكون نقلها إلى هذا المعنى نقلا من العامّ إلى الخاصّ ، ضرورة أنّها لغة لما تقدّم مطلقا استحقّه أو لم يستحقّه ، بل كان قد تقدّم من باب المقارنات الاتّفاقيّة كتقدّم زيد على عمرو في الوجود مثلا ، وهذا بالقياس إلى المعنى العرفي أعمّ لشموله المتقدّم لا عن استحقاق دون العرفي الّذي لا يتناول سوى المتقدّم عن الاستحقاق.
ثمّ إنّها باعتبار ما يتوقّف عليها تنقسم إلى كونها مقدّمة للوجوب كالاستطاعة في وجوب الحجّ ، والنصاب في وجوب الزكاة ، أو مقدّمة للوجود كنصب السلّم للصعود على السطح ، وقد تكون مقدّمة للوجوب والوجود معا كالقدرة على الفعل ، فلذا قيل : بأنّ النسبة بينهما باعتبار المورد عموم من وجه وإن كان بينهما بحسب المفهوم تبائن.
وأمّا ما يضاف إليهما أيضا في هذا التقسيم من مقدّمتي العلم والصحّة والعلم ـ كما هو واقع في كلام الأكثرين ـ فكأنّه مبنيّ على الاعتبار أو لملاحظة جهة التوقّف ، وإلاّ فهما في الحقيقة راجعان إلى مقدّمة الوجود.
أمّا في الاولى : فلتوقّف حصول العلم الواجب على المكلّف ولو بإلزام من العقل تحصيلا للموافقة القطعيّة الّتي هي من مقتضيات حجّيّة العلم الإجمالي ـ بناء على ما هو التحقيق ـ عليه ، فإنّ الواجب أعمّ من الاعتقاد والعمل ، فلذا يعدّ النظر في معجزة المتنبّي من مقدّمات الواجب.
وأمّا في الثانية : فلتوقّف المأمور به في وجوده عليها كالطهارة للصلاة المأمور بها ، فإنّ الصحّة لا معنى له إلاّ موافقة الأمر ، فالمتوقّف حقيقة حصول العمل الموافق للأمر من غير فرق في ذلك بين القول بالصحيحة أو الأعمّ كما توهّم.
غاية الأمر أنّ جهة التوقّف على الأوّل تحقّق العمل باعتبار ذاته.
وعلى الثاني تحقّقه باعتبار وصفه.
وبالجملة : فرق واضح بين الذات المطلقة والذات الموصوفة ، والموقوف على المقدّمة في كليهما هو الوجود دون غيره.
فالحقّ أنّه لا ثالث لأقسام المقدّمة في تقسيمها من هذه الجهة.
نعم هي باعتبار أخذ التوقّف في مفهومها تنقسم إلى أقسام اخر ذكروها في كتبهم المدوّنة ، ولكنّهم اختلفوا في عددها ، فمنهم من اقتصر منها على ذكر السبب والشرط ، ومنهم من أضاف إليهما الجزء أيضا ، ومنهم من أسقطه وأضاف إليهما المعدّ والمانع ، مصرّحا بأنّ الأوّلين مأخوذان في حصول الواجب وجودا والأخير عدما وما قبله وجودا وعدما ، يعني