وأمّا القول بالاشتراك اللفظي فعزاه كثير منهم إلى السيّد ودليله ـ على ما في كلام جماعة منهم ـ الاستعمال ، فإنّ الأمر يستعمل تارة في الإطلاق واخرى في التقييد فيشترك بينهما ويتوقّف في التعيين إلى أن يجد دلالة ، وجوابه بعد ملاحظة عموم الاستعمال واضح.
مضافا إلى أولويّة المجاز من الاشتراك مع وجود بعض خواصّه كما لا يخفى.
والاعتراض عليه : بأنّه لو صحّ ذلك لكان جميع الأوامر الواردة في الشريعة مجازات ، لوضوح كونها مقيّدة بشرائط عديدة كما في كلام بعض الأفاضل.
يدفعه : أنّ المراد بالشرائط العديدة إن كان شرائط التكليف الأربع ، ففيه : أنّ الأوامر المقيّدة بها لا تتعلّق إلاّ بواجدي تلك الشرائط ، فلا ترد في الخطابات إلاّ مطلقة ضرورة انقلاب المقيّد عند وجود شرطه مطلقا ، وإن كان ما عدا تلك الشرائط.
ففيه : أنّ الأوامر المقيّدة بذلك ليس في الكثرة على حدّ يوجب ما ذكر ، وعلى تقديره نقول إنّها أيضا لا تتوجّه إلاّ إلى واجديه كما صرّح به المحقّقون.
ثمّ يبقى الكلام في نسبة هذا القول إلى السيّد ، فإن كانوا قد استفادوه عن تصريح منه أو كلام له ظاهر فيه فلا كلام.
وإن كانوا استفادوه عن عبارته في الذريعة والشافي الّتي نقلها المصنّف ، ففيه : أنّ غاية ما يستفاد من تلك العبارة إنّما هو التوقّف فيما لو ثبت مع الأمر شرط واشتبه فدار بين كونه قيدا لنفس الأمر أو للمأمور به دورانه بين التقييدين.
ومن البيّن أنّ التوقّف بهذا المعنى غير ملزوم للاشتراك ، بل القول به يجامع سائر الأقوال أيضا ، وذلك أنّه في تلك العبارة بعد ما قسّم الأوامر الواردة في الشريعة على قسمين :
أحدهما : ما لا يقتضي الأمر بالشيء إيجاب مقدّماته ، كالأمر بالزكاة والحجّ الّذي لا يقتضي وجوب تحصيل النصاب ولا تحصيل الاستطاعة علينا من جهة كونه مشروطا ، والواجب المشروط لا وجوب في مقدّمات وجوبه اتّفاقا.
والآخر : ما يقتضي إيجاب الشيء إيجاب مقدّماته كالأمر بالصلاة ونحوها بالنسبة إلى الوضوء ، فرّق في مقدّمات القسم الثاني بين السبب فقال فيه بالوجوب وبين غيره فلم يقل فيه بالوجوب ، لا من جهة أنّه مفصّل في المسألة بين السبب وغيره كما هو المعروف منه ، بل من جهة أنّ غير السبب من المقدّمات متردّد بين كونه مقيّدا للأمر شرطا للوجوب أو مقيّدا للمأمور به شرطا للواجب ، وجعل سببيّة بعض المقدّمات قرينة على كونه قيدا