وعلى الفرض الآخر لا أمر بدونه فلا صحّة على الفرضين ، فهو من جهة كونه أمرا مجملا مردّدا بين كونه شرطا للوجود الصرف أو شرطا للوجوب الصرف لابدّ فيه من التوقّف ، لكون الشبهة من باب الشكّ في الحادث لا الحدوث حتّى يكون للأصل فيه مجال ، ونظير ذلك الإقامة في السفر للصوم الفائت المضيّق وقته ، فإنّهم بعد ما اتّفقوا على كونها شرطا للصحّة اختلفوا في كونها قيدا للمأمور به أو للأمر ، فعلى الأوّل يكون المأمور به هو الصوم الصادر عن المقيم ، وعلى الثاني لا يصير الصوم واجبا إلاّ على المقيم.
وبعبارة اخرى : وقع الخلاف في كون الإقامة قيدا لمادّة الأمر في قوله : « صم » أو هيئته وعن المدارك ذهابه إلى الأوّل ، ومن هذا الباب نصب الإمام لإقامة الحدود الّذي بنى المعتزلة من العامّة على وجوبه على الرعيّة لكونه مقدّمة للواجب الّذي هو إقامة الحدود ، فإنّه شرط لصحّة الإقامة بلا إشكال ، وإنّما الإشكال في كونه مع ذلك قيدا للمأمور به فيكون الواجب حينئذ الإقامة الصادرة عن الإمام المنصوب ، أو قيدا للأمر فلا تصير الإقامة واجبة إلاّ بعد نصب الإمام.
ولذا أجاب السيّد عن الاستدلال المعتزلة على وجوب نصب الإمام على الرعيّة بكونه مقدّمة للواجب.
وحاصل الجواب : أنّ الاستدلال إنّما يستقيم لو ثبت أنّ الأمر بإقامة الحدود مطلقا ، بدعوى كون نصب الإمام مقدّمة لوجودها الصرف وهو في حيّز المنع ، لجواز كون الأمر بها مشروطا بوجود الإمام فلا تجب إلاّ عند وجوده ، فلا يكون نصبه واجبا على الرعيّة من جهة كونه شرطا للوجوب.
فمحصّل ما قرّرناه من البداية إلى النهاية : أنّ توهّم التوقّف إنّما ينشأ عن دوران الأمر بين التقييدين ، للقطع بأنّ في الأمر بشيء له شرط صحّة تقييدا مّا ولكنّه مردّد بين كونه في جانب المأمور به أو في جانب الأمر ، فيكون كلّ فيه على نهج سواء من دون اختصاص له بجهة الاشتراك حتّى يقال : بأنّ السيّد القائل به قائل بالاشتراك ، فلا وجه لما في كلام المشهور من إسناد هذا القول إلى السيّد.
نعم هاهنا شيء يكون الأخذ به انتصارا للمشهور ، وهو أنّ السيّد ذكر في جملة كلامه الّذي نقله المصنّف أمثلة ـ كنصاب الزكاة واستطاعة الحجّ ـ يمكن أن يستفاد منها كون توقّفه فيما إذا دار الأمر بين تقييد الأمر وعدمه بما علم بكونه ليس من مقدّمات الوجود