وأمّا تعريف الثاني « بما كان الأمر به مسبّبا عن الأمر بشيء آخر » ويقابله الأوّل ، كتعريف الأوّل « بما لا يكون الأمر به من جهة الأمر بغيره فلعلّه غير خال عن نوع اختلال ، لانتقاضهما بجميع الواجبات لتسبّب الأمر بها عن الأمر بالإسلام وبما لم يكن أمر به ، لعموم ما لا يكون الأمر به من جهة الأمر بغيره بحسب المفهوم ، باعتبار احتمال رجوع النفي إلى كلّ من القيد والمقيّد فيكون شاملا لما ذكر.
وقد يعرّفان أيضا : بأنّ النفسي : ما تعلّق الطلب له لنفسه والغيري ما تعلّق الطلب به للوصلة إلى غيره ، وهو أيضا غير مستقيم لانتقاض الثاني ببعض الصور المتقدّمة بل بمطلق الواجبات النفسيّة ، لكون الوصلة إلى الغير مطلوبة في الجميع ولو بواسطة ، فإنّ الأمر بالصلاة مثلا وإن كان لإيجادها بنفسها ولكن المطلوب من إيجادها أيضا الوصلة إلى غاية التقرّب.
وما يقال في تصحيحه : من أنّ « اللام » هنا للتعليل على وجه مخصوص لا لمطلق التعليل لئلاّ ينتقض الحدّان بكثير من الواجبات النفسيّة غير مجد ، لأنّ النظر في الحدود بالقياس إلى الطرد والعكس وعدمهما إنّما هو إلى ظاهر ما يقتضيه الألفاظ المأخوذة فيها لا إلى ما هو المراد منها في الواقع ، وإلاّ فكلّ حدّ سالم عن جميع ما يرد من النقوض.
ولا ريب أنّ الوجه المخصوص غير ظاهر عن « اللام » بل هي بظاهرها تتناول الغايات الحاملة على الإيجاب.
فالقول في توضيح ما ذكر ـ بأنّ المطلوب من المكلّف في الواجب الغيري إنّما هو إيجاده للتوصّل به إلى غيره ، على أن يكون التوصّل به إليه مطلوبا منه وإن كان حاصلا عن الطلب أيضا ، والمطلوب منه في الواجب النفسي إيجاده فقط والتوصّل به إلى أمر آخر أو حصوله وإن كان خارجا فهو أمر خارج عن كونه مطلوبا منه ، وإنّما هو حامل على الطلب.
فالواجب النفسي ما يكون المطلوب من المكلّف في إيجابه نفسه دون التوصّل به إلى غيره.
والواجب الغيري ما يكون التوصّل به إلى غيره مطلوبا من المكلّف ، فاتّضح وجه الخصوصيّة أيضا ـ كلام ظاهريّ وارد على خلاف التحقيق ، إذ لو أنيط الفرق بأنّ التوصّل إلى الغير في الواجب النفسي إنّما يحصل بواسطة إيجاد الواجب فلا يكون ذلك هو المطلوب من الأمر به بل المطلوب به نفس الواجب ، فالأمر في الواجب الغيري أيضا كذلك ، إذ التوصّل إلى الغير فيه أيضا لا يحصل بمجرّد الأمر بل إنّما يحصل بواسطة إيجاد الواجب ، ولو انيط بأنّ متعلّق الطلب حقيقة في الغيري هو نفس التوصّل إلى الغير بخلاف