ومنها : استحقاق الثواب بفعل المقدّمة واستحقاق العقاب بتركها على القول بالوجوب وليس كذلك الأمر على القول الآخر.
وأنت خبير بضعف هذه الدعوى أيضا ، فإنّا لا نقول باستحقاق الثواب والعقاب على المقدّمة فعلا وتركا إذا كان وجوبها أصليّا مستفادا من الخطاب بالأصالة ، من جهة كونه وجوبا توصّليّا لا يترتّب عليه شيء من ذلك فكيف بوجوبها إذا كان تبعيّا.
وقد تقرّر أنّ الوجوب المتنازع فيه تبعيّ فهو أولى بعدم ترتّب استحقاق الثواب والعقاب من جهته على الفعل والترك.
ولا بأس بأن نشير إلى بعض ما صدر عنهم في ذلك المقام ، فمن جملة ذلك ما عن بعض المحقّقين ـ ممّا حكى نقله عن الغزالي أيضا ـ من ترتّب المدح والثواب على فعل المقدّمة ونفى عنه الغائلة بعض الأعلام بعد ما صرّح بعدم الذمّ والعقاب على تركها.
ثمّ استشكل فيه : بأنّه قول بالاستحباب الّذي هو منفيّ فيما بين الأقوال ، ولعلّ وجهه على ما رامه رحمهالله أنّ الاستحباب هنا ممّا لا معنى له لعدم صدق حدّه عليه ، إمّا من جهة انتفاء جنسه ، أو من جهة انتفاء فصله ، فإنّ استحقاق الثواب لو فرض مع عدم طلب في البين فيلزم الاستحباب من دون جنس الاستحباب وهو الطلب ، إذ المفروض انتفاؤه ، ولو فرض مع الموجود من الطلب المتّفق عليه عند الفريقين ، فيلزم الاستحباب مع عدم فصل له إذ ليس في المقام إلاّ الطلب الحتمي الّذي لا يرضي الله تعالى معه بالترك ، والاستحباب ينافيه لاستلزامه الرضاء بالترك وكلاهما غير معقول.
ثمّ صحّحه بجواز القول بإدراجه في عموم « من بلغه ثواب على عمل وفعله التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن كما بلغه » فإنّه يعمّ جميع أقسام البلوغ حتّى فتوى الفقيه.
وتفصيل ما أجمله في وجه الاندراج : أنّ الثواب على فعل المقدّمة ثواب قد بلغ بذهاب بعض المحقّقين إليه ونقله الغزالي ، فبلوغ ذلك القول بلوغ ثواب ، فمن فعل المقدّمة لأجل إدراك ذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن في الواقع كما بلغه.
ثمّ إنّه بعد ما ذكر هذا الاحتمال عقّبه بقوله : « فتأمّل » وهو إشارة إلى ما ذكره في حواشيه ـ على ما حكي عنه ـ من أنّ ذلك خارج عن الاستحباب المصطلح الّذي يتسامح في أدلّته.
ولعلّ وجه الخروج ـ على ما رامه ـ أنّ الاستحباب المصطلح المذكور ما له طلب استحبابي واقعي كما في الاستحباب المحقّق ، أو طلب استحبابي ظاهري كالاستحباب