من وجه ، فلذا تراهم أطلقوا في الحكم بعدم جواز أخذها على تجهيز الميّت الّذي هو عبارة عن الأعمّ من الواجبات ومقدّماتها حتّى أنّه يشمل لمثل الحفر الّذي لا إشكال في كونه مقدّمة من غير تعرّض للفرق بين القولين في المقدّمة.
وأقوى ما يشهد بذلك استثناؤهم القدر الزائد على القدر الواجب من الحفر من الحكم بالحرمة فحكموا فيه بجواز الاجرة عليه ، فلولا المراد بالحكم ما يشمل المقدّمات أيضا لما كان للاستثناء وجه ، نظرا إلى أنّ الاخراج فرع الدخول بل الّذي ينوط به عدم جواز أخذ الاجرة على المقدّمة مطلقا أو جوازه كذلك شيء آخر لا دخل للوجوب فيه ، وهو الّذي يناط به الحكم في الواجبات الأصليّة النفسيّة وجودا وعدما.
وتحقيقه : أنّ الواجب إن كان من باب الحقوق المتعلّقة بالذمّة كإنقاذ الغريق وإطفاء الحريق ونحوهما ممّا هو من حقوق المؤمن فلا يجوز أخذ الاجرة عليه ، ويعلم كونه من هذا القبيل بما دلّ على وجوبه من الأدلّة القاضية بوجوب أدائه وقبوله لإبراء الذمّة وصلوحه للمصالحة والتوكيل والوصيّة وغير ذلك ممّا يتعلّق بالحقوق خاصّة ، وإن لم يكن من هذا الباب فلا منع من جواز أخذ الاجرة كالنيابة للميّت في قضاء فرائضه الفائتة إلاّ ما دلّ دليل بخلافه ، فالمقدّمة أيضا إن كانت من الحقوق المتعلّقة بالذمّة للمؤمن فلا يجوز أخذ الاجرة عليها سواء قلنا بوجوبها أو لا ، وإن لم تكن من تلك الحقوق فلا دليل على عدم جواز أخذ الاجرة عليها ولو قلنا بوجوبها إلاّ ما أخرجه الدليل ، فلا مدخل لهذا الفرع في وجوب المقدّمة ليجعل من ثمرات المسألة.
وأنت خبير بما في هذا الكلام من الوهن ، ومنافاته لما يقضي بأنّ صفة الوجوب مانعة عن الاجرة وإجراء العقد ، مع أنّ معقد كلامهم في عدم جواز أخذ الاجرة على الواجب ما وجب على الإنسان بالأصل أو بالعارض عينا أو كفاية تعيينا أو تخييرا ، فلا يعقل واجب على المكلّف لا يكون متعلّقا بذمّته ، وما فرض من مسألة النيابة للميّت في قضاء ما فات عنه من الفرائض خارج عن هذا العنوان لاتّفاقهم على جواز أخذ الاجرة هنا.
والوجه في ذلك : أنّ الوجوب السابق مطلقا مانع عن لحوق إجراء العقد واستحقاق الاجرة بالواجب على فعله ، ولا وجوب في مسألة النيابة قبل عقد الإجارة بل الوجوب واستحقاق الاجرة ينشآن عن العقد ، فالاجرة ليست على الواجب بل على العمل المباح المملوك له قبل العقد.
نعم لا يسوغ له بعد ما وجب عليه العمل بعقد الإجارة أن يوجر نفسه ثانيا من غيره