إلى أنّ المسألة من العقليّات فاحتمال الكذب فيها ساقط بعدالة القائلين وبقي احتمال الخطأ فينفيه حكم العادة بملاحظة الكثرة.
ويؤيّده في إفادة القطع ملاحظة أنّ كلاّ من المثبتين من أهل الاجتهاد والنظر والدقّة والفضل ، مع كون المسألة ممّا يحكم به الوجدان فيبعد عنهم احتمال الخطأ غاية البعد ، مضافا إلى وضوح ضعف القول الآخر وشذوذ القائل به ، وما ادّعي على الحكم من الضرورة والإجماعات ونحو ذلك ممّا يوجب وضوح الأمر.
وثانيهما : الإجماع المصطلح عند الاصولييّن الكاشف عن قول المعصوم عليهالسلام ، فإنّ الإجماع بهذا المعنى ممّا لا يعتبر فيه اتّفاق الكلّ ، بل المعتبر فيه هو الكشف عن رأي المعصوم سواء حصل ذلك عن اتّفاق الكلّ أو جماعة علم بدخول قول المعصوم في أقوالهم ، سواء دخل شخصه أيضا في المجمعين أو لم يدخل ، فإذا كشف الإجماع عن قول المعصوم عليهالسلام يترتّب عليه حقّيّة المورد لأنّه ملزوم لها بملاحظة العصمة.
وهذان التقريران للإجماع يشاركان في إفادة القطع وهو حجّة من أيّ شيء حصل ، فالتقرير الأوّل بمنزلة الثاني في الحجّيّة ، كما أنّه في العلميّات ليس بعادم النظير ، بل غالب الإجماعات في المسائل الاصوليّة وأكثرها في الفروعيّة من هذا الباب ، بمعنى كونها اتّفاقات مفيدة للقطع بحقيّة مواردها بالتقريب المتقدّم من دون كونها كاشفة عن قول المعصوم بخصوصه.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقرير الإجماع ، ولكنّ الانصاف أنّه بشيء من التقريرين لا يفيد المدّعى ولا يوجب القطع بالحقيقة.
أمّا على التقرير الأوّل : فلأنّ العادة إنّما تقضي بامتناع التواطئ على الخطأ إذا لم يعلم بمستند القائلين وضعف ذلك المستند ، وقد علمنا بأنّهم إنّما صاروا إلى وجوب المقدّمة تعويلا على الوجوه الآتية الّتي لا ينبغي الاسترابة في ضعفها ، وعدم قضائها بما قالوه ، فلولا حقّيّة ذلك القول ثابتا لنا من الخارج لحكمنا بأنّهم لاستنادهم إلى الأدلّة الفاسدة متّفقون على الخطأ.
نعم من متأخّريهم من تمسّك ببعض الوجوه الصحيحة المتقدّم ذكرها ولكنّه غير مجد لانتفاء الكثرة الّتي هي مناط حكم العادة بامتناع التواطئ على الخطأ وعلى تقديرها فغير مجدية أيضا ، لأنّ هذا المستند الصحيح ممّا يغني الناظر العالم به عن النظر في الاتّفاق.
نعم إنّما يصلح ذلك دليلا لو فرض المستند غير معلوم.