أصحابنا على ثبوت التكليف لبقاء القدرة وهم يقولون به مع عدم بقائها ، بل هو مبنى كلامهم حيث نراهم في البحث عن أحكام التكليف يجوّزون التكليف بغير المقدور معلّلين بوجوه ، منها تكليف الكفّار بالفروع الثابت بالإجماع ، وأيضا قد أسلفنا في مباحث الأمر عند الكلام في مغايرة الطلب للإرادة عنهم ما يكفيك شاهدا بذلك ، فارجع ولا حظ.
وإذا تمهّد هذا كلّه فالّذي نراه الآن حقّا هو مذهب أصحابنا المدّعى عليه الإجماع متكرّرا ، وإن كنّا قدّمنا في المباحث المتقدّمة ما يقضي بخلافه ، إلاّ أنّه ما ترجّح عندنا ثمّة بحسب بادئ النظر.
والّذي نختاره هنا مبنيّ على العدول ، لظهور بطلان المعدول عنه على حسب دقّة النظر.
ولنا على ذلك ، أوّلا : الأصل المتقدّم تقريره في مباحث الواجب المطلق والمقيّد عند البحث عن دوران الأمر بين تقييد الوجوب أو تقييد الواجب ، غير أنّه مخصوص بما ثبت وجوبه باللفظ على ما قدّمنا تفصيل القول فيه ، فمن أطلق في التمسّك به ـ كبعض الأعاظم ـ إن أراد به هذا المعنى فلا بحث ، وإلاّ يردّه : أنّ الأصل فيما ثبت باللبّ قاض بخلاف المطلوب ، فإنّ مرجع الدوران حينئذ إلى ثبوت التكليف بدون الإيمان وعدمه ، وهو من مجاري أصالة البراءة ومقتضاها كونه شرطا للتكليف لا للمكلّف به.
وثانيا : وجود المقتضي وفقد المانع فوجب المصير إليه ، أمّا الثاني فلعدم صلاحيّة ما توهّمه الخصم مانعا للمنع على ما نقرّره.
وأمّا الأوّل : فمنه ما يقتضي الحكم لكون الكافر أحد أفراد موضوعه ، ومنه ما يقتضيه لكونه موردا له بالخصوص.
أمّا الأوّل : فقوله عزّ من قائل : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ )(١)( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )(٢) و ( وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ )(٣)
والمناقشة في الأولى : باحتمال كون « العبادة » المأمور بها عبارة عن الإيمان ، لصدقها عليه من جهة كونها مأخوذة من التعبّد وهو التذلّل والخضوع الموجودين فيه ، وفي الأخيرين بعدم بقائهما في عمومهما لخروج العبد والصبيّ المتمكّنين من الحجّ ومن لم يتحقّق فيه شرائط الزكاة عنهما ، فلا يبقى فيهما حجّة على المطلوب. يدفعها : أنّ الاحتمال
__________________
(١) البقرة : ٢١.
(٢) آل عمران : ٩٧.
(٣) فصلّت : ٦ ، ٧.