في الأدلّة اللفظيّة غير قادح ، والأصل حمل « العبادة » على ما يعمّ الإيمان وفروعه ، أو على ما يخصّ الفروع على ما هو المتبادر منها في عرف المتشرّعة كما يظهر بأدنى تأمّل في إطلاقاتها بجميع ما يشتقّ منها من الصيغ المعهودة على ما هو الأصل في الحقائق الشرعيّة ، بناء على ثبوتها كما هو الحقّ حتّى في تلك اللفظة كما هو الظاهر.
ولو سلّم فالتذلّل والخضوع إذا كانا جهتين جامعتين بين الإيمان وفروعه وهما الموضوع لهما فأيّ شيء يدعو إلى توهّم الاختصاص ، فهل هو تخصيص بلا دليل أو تقييد بلا شاهد؟ مع ظهورها عرفا في غير الإيمان وإن كان إطلاقيّا من جهة الانصراف ونحوه.
وأقصى ما في خروج من ذكر من الآيتين ورود تخصيص عليهما وهو لا يوجب القدح فيهما بالقياس إلى الباقي ، لظهور حجّية العامّ المخصّص ـ على ما يأتي تحقيقه في محلّه ـ كيف ولو بنى على ما ذكر يلزم سقوط التمسّك بهما حتّى في حقّ غير الكفّار ، وهو كما ترى مخالف للإجماع والضرورة.
وأمّا الثاني : فقوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )(١) وما فيها من الاختصاص من وجهين لا يوجب القدح في تمام المدّعى بعد ما انضمّ إليها الإجماع المركّب مع القول بعدم الفصل ، ولا يضرّ كونها في شأن أهل الكتاب لأنّه على تقدير كونها في مقام الحكاية عنهم في دينهم وهو في حيّز المنع.
ولو سلّم فقوله : « وذلك دين القيّمة » إشارة إلى جميع ما تقدّم ، فيكون الجميع هو الإسلام المأمور به نصّا وفتوى وضرورة من الدين والمذهب لقوله تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ )(٢).
واستدلّ أيضا : بأنّه لولا الفروع واجبة عليهم لما عاقبهم الله تعالى على تركها والتالي باطل وكذا المقدّم.
وبيان الشرطيّة : أنّه لا معنى للواجب إلاّ ما يعاقب أو يذمّ على تركه.
وأمّا بطلان التالي : فلقوله تعالى : ( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ )(٣) وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً * يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ )(٤) وقوله تعالى : ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ
__________________
(١) البيّنة : ٥. (٢) آل عمران : ١٩.
(٣) المدّثّر : ٤٢ ـ ٤٦. (٤) الفرقان : ٦٨ ، ٦٩.