وَتَوَلَّى )(١) فإنّهم علّلوا كونهم في سقر ـ في الآية الاولى ـ بالأشياء المذكورة الّتي من جملتها ترك الصلاة وإطعام المسكين الّذي لا يراد منه هنا إلاّ الزكاة إذ لا واجب سواها.
وأنّه تعالى في الآية الثانية جعل العذاب المضاعف جزاء لهم على الأفعال المذكورة فيها الّتي من جملتها قتل النفس والزنا.
وأنّه تعالى في الآية الثالثة ذمّة على ترك الجميع ومن جملته الصدقة والصلاة فيكون مذموما على تركهما.
واعترض على الأولى أوّلا : بأنّه حكاية حال عن قول الكفّار وليس بحجّة لجواز كذبهم في ذلك القول ، كما ثبت في قوله تعالى حكاية عنهم ( ما كُنَّا مُشْرِكِينَ )(٢)( ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ )(٣)( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً )(٤)( فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ )(٥).
وثانيا : بجواز كون المراد من « المصلّين » المسلمين ، نظرا إلى أنّه قد يطلق المصلّي على المسلم كما جاء في الحديث : « نهيت عن قتل المصلّين أي المسلمين ».
وثالثا : بأنّهم علّلوا بالجميع الّذي من جملته تكذيبهم بيوم الدين ، ولا يلزم من كون الجميع علّة كون كلّ واحد من أفراده علّة.
وعلى الثانية أوّلا : بمنع رجوع « اللام » إلى الجميع بل إلى الشرك وحده ، نظرا إلى أنّ « ذلك » إنّما يشار به إلى البعيد فيكون كناية عن الأوّل دون المجموع.
وثانيا : بمنع الملازمة بين علّيّة الجميع وعلّيّة كلّ واحد من أفراده.
وعلى الثالثة : بمنع الملازمة أيضا كما تقدّم. وفي المنية : والظاهر أنّ الله تعالى أخبر عنه بنفي الإيمان ظاهرا وباطنا فعبّر عن الأوّل بقوله : « فلا صدّق » وعن الثاني بقوله : « ولا صلّى » وأخبر عن كفره باطنا وظاهرا وعبّر عن الأوّل بقوله : « ولكن كذّب » وعن الثاني « وتولّى ».
وأنت خبير بأنّه لا وقع لشيء من هذه الاعتراضات ، فإنّ احتمال الكذب منفيّ بالقطع بمطابقة قولهم لما هو في نفس الأمر ، لوضوح أنّهم ما كانوا يصلّون ولا يطعمون المسكين ، واحتمال إرادة المسلم من المصلّي لا يعارض الظاهر وأنّ الحجّة هو الظاهر ، مع منع كون المراد بالمصلّين في الحديث المسلمين بل هو إعطاء للحكم ببيّنة وبرهان ، نظرا إلى أنّ
__________________
(١) القيامة : ٣١ ، ٣٢.
(٢) الأنعام : ٢٣.
(٣) النحل : ٢٨.
(٤) و (٥) المجادلة : ١٨.