وأمّا الثاني : فلأنّ المفروض اشتراط وجوب ذي المقدّمة بوجود المقدّمة ، فمع عدمها لم يكن واجبا حتّى يستحقّ تاركه العقاب ، كما هو الحال في كلّ واجب مشروط.
فتعيّن الرابع وهو المراد بقوله : « فالمقدّم مثله ».
ثمّ أورد على نفسه بقوله : إنّ هذا الوجه لو تمّ لدلّ على انتفاء الواجب المطلق ورجوعه إلى المقيّد ، لأنّ عدم المقدّمة إذا كان من جملة الأحوال الّتي امتنع صدور ذي المقدّمة على تقديرها لم يصحّ تعميم وجوبه بالنسبة إليه ، ووجوب المقدّمة وعدم وجوبها ممّا لا يؤثّر في الفرق كما لا يخفى.
وحاصل الإيراد : أنّه نقض بصورة وجوب المقدّمة بتقرير : أنّ الآمر إذا أراد الإتيان بالمقدّمة مع الإتيان بذيها فبالنسبة إليه إمّا أن يريده على تقدير عدم المقدّمة ، أو على تقديري الوجود والعدم ، أو على تقدير الوجود والأوّلان باطلان لما ذكر فيتعيّن الثالث.
وقضيّة ذلك سقوط الواجب المطلق عمّا بين الواجبات رأسا من غير فرق في ذلك بين وجوب المقدّمات وبين عدم وجوبها ، إذ على تقدير الوجوب أيضا يكون وجوب ذيها مقيّدا بوجودها.
فأجاب عنه بقوله : تعلّق التكليف بالشيء وبمقدّماته تعلّق واحد ينتسب إلى أحدهما بالذات وإلى الآخر بالعرض ، ولا يوجد إرادة متعلّقة بذي المقدّمة حتّى يستفسر من إطلاقها وتقييدها.
وحاصله : أنّ وجوب ذي المقدّمة على تقدير وجوب المقدّمة ليس أمرا يغاير وجوب المقدّمة حتّى يستفسر عن كونه مطلقا أو مقيّدا ، إذ لا تعدّد في الوجوب والطلب بل الصادر عن الآمر الطالب طلب واحد وإيجاب واحد له نسبة إلى ذي المقدّمة ونسبة إلى المقدّمة ، بمعنى تعلّقه بذي المقدّمة بالذات وبالمقدّمة بالعرض ، فلا يصحّ أن يقال : بأنّ ذلك الطلب بالنسبة إلى ذي المقدّمة مقيّد بوجود المقدّمة ، إذ لو صحّ ذلك بالنسبة إليه لصحّ بالنسبة إلى المقدّمة أيضا بمعنى كون وجوبها مقيّدا بوجودها لأنّه طلب واحد ، فإذا كان بالنسبة إلى ذي المقدّمة مقيّدا فلابدّ أن يكون بالنسبة إلى المقدّمة أيضا مقيّدا ، لكنّه لا يصحّ أن يقال به في المقدّمة فلا يصحّ أيضا في ذيها فلا نقض بصورة الوجوب.
وأنت خبير بما في ذلك الجواب ، فإنّ مبناه على تعلّق طلب واحد شخصي بأمرين متغايرين لم يكن أحدهما جزءا للآخر ، ولا هو مع الآخر جزءان يكون المجموع منهما هو المطلوب ، وذلك غير معقول كما أنّه على تقدير القول بوجوب المقدّمة خلاف البديهة