عنه واعتبره في نفس الواجب ، فيكون مفاد دليله ـ بناءا على تصحيحه له ـ وجوب نفس الواجب ونفيه عن مقدّماته ، والأوّل غير مطلوب ولا محتاج إليه والثاني خلاف المطلوب.
وخامسها : ما تمسّك به الفاضل المشار إليه أيضا بقوله : لو لم يجب مقدّمة الواجب المطلق لزم أن لا يستحقّ تارك الفعل العقاب أصلا ، لكن التالي باطل فالمقدّم مثله.
بيان الملازمة يستدعي تمهيد مقدّمة هي : أنّ الآمر الطالب للشيء في زمان معيّن إذا لاحظ أنّ في ذلك الزمان يتصوّر أحوال مختلفة يمكن وقوع كلّ منها فإمّا أن يريد الإتيان بذلك الشيء في ذلك الزمان على أيّ تقدير من تلك التقادير ، أو يريد الإتيان به على بعض التقادير ، وهذه المقدّمة ظاهرة بعد التأمّل التامّ وإن أمكن المناقشة والتشكيك في بادئ النظر ، لأنّه ينتقض بالجزء والكلّ حيث لا يمكن تقييد وجوب الكلّ بوجود الجزء ، ولا تعميم وجوبه بالنسبة إلى حالتي وجود الجزء أو عدمه ، لأنّ مرادنا بالحالات ما كان خارجا عن أحوال المراد مغايرا له.
وإذا تمهّد هذا فنقول : إذا أمر أحد بالإتيان بالواجب في زمانه ، وفي ذلك الزمان يمكن وجود المقدّمات ويمكن عدمها ، فإمّا أن يريد الإتيان به على أيّ تقديري الوجود والعدم فيكون في قوّة قولنا : « إن وجد المقدّمة فافعل وإن عدم فافعل » وإمّا أن يريد الإتيان به على تقدير الوجود ، والأوّل محال لأنّه يستلزم التكليف بما لا يطاق فثبت الثاني ، فيكون وجوبه مقيّدا بحضور المقدّمة فلا يكون تاركه بترك المقدّمة مستحقّا للعقاب لفقدان شرط الوجوب ، والفرض عدم وجوب المقدّمة فانتفى استحقاق العقاب رأسا إلى آخره.
ولا يخفى قصور عبارة الدليل عن إفادة أصل المراد ، مع عدم الإحاطة فيها بجميع الاحتمالات والشقوق الجارية في المقام الّتي لا تقم الملازمة مع بقاء بعضها ، فكأنّ المستدلّ يريد تقرير الدليل بأنّ : الآمر الطالب للشيء إمّا أن يريد به الإتيان بذلك الشيء فقط على تقدير عدم وجود مقدّمته ، أو يريده على تقديري الوجود والعدم ، أو يريده على تقدير الوجود ، أو يريده والإتيان بمقدّمته معا ، لا سبيل إلى الاحتمال الأوّل لأدائه إلى التكليف بما لا يطاق ، ولا إلى الثاني لاشتماله على ما يستلزم التكليف بما لا يطاق باعتبار أحد فرديه ، ولا إلى الثالث لانقلاب الواجب المطلق مقيّدا فيلزم عدم استحقاق العقاب أصلا لا على المقدّمة ولا على ذيها.
وأمّا الأوّل : فلأنّ المفروض عدم وجوب المقدّمة.