الحجّ ، فإنّ كلاّ من وجود الاستطاعة وعدمها حالة له بحيث يمكن حصوله في ضمن كلّ منها فيصح ، حينئذ الاستفسار عن إطلاق وجوبه بالنظر إلى كلتا الحالتين ، وعن تقييده بإحداهما دون الاخرى.
وأمّا إذا كانت الأحوال من لوازم الواجب الّتي لا ينفكّ وجوده عنها فلا معنى للاستفسار عن إطلاق وجوبه وتقييده بالنسبة إليها ، ضرورة أنّ عدم اللازم ليس حالة لوجود الملزوم حتّى يكون بالنسبة إليه وإلى وجوده مطلقا أو مقيّدا بالوجود ، إذ لا وجود له بدونه فكيف يكون حالة لوجوده ، وكما أنّ عدم الشيء لا يكون حالة لوجوده فكذلك عدم لازمه ، فلا يعقل كونه حالة لوجوده.
وما نحن فيه من هذا الباب ، ضرورة أنّ مقدّمات الشيء لوازم لوجوده بحيث لا وجود له بدونها ، فلا يعقل كون عدمها حالة لوجوده كالمشي في قطع مسافة الحجّ ، مع أنّه لو صحّ ذلك فالحالة إنّما هي وجود المقدّمة أو عدمها وليس لعدم وجوبها مزيد تعلق بذلك ، فإذا صحّ الاستفسار عن الإطلاق والتقييد على هذا التقدير صحّ على تقدير الوجوب أيضا فالجواب ما يجاب.
مع أنّه لو وقع الاستفسار على تقدير عدم الوجوب عنهما فلنا أن نجيب : بأنّه ليس بمطلق بالنسبة إلى حالتي وجود المقدّمة وعدمها ، ولا مقيّد بوجودها ، بل هو متقيّد بوجودها كما أنّ وجوبه متقيّد بوجود نفسه ، بمعنى أنّ وجوبه بالنسبة إلى نفسه كما لا يتعلّق إلاّ بإيجاده لأنّه الّذي تصوّره الآمر فلا يتصوّر هناك إطلاق ولا تقييد ، فكذلك بالنسبة إلى مقدّمته فلا يتعلّق به الوجوب إلاّ وهو ملزوم لوجود المقدّمة ، فلا يعقل فيه إطلاق ولا تقييد لأنّ الطلب لقصور فيه لا يتعلّق إلاّ بما يكون مقدورا لأنّه الّذي تصوّره الآمر ، ولا مقدور إلاّ الفعل على تقدير وجود مقدّمته ، كيف ولا فرق في مقدّمات الشيء بين الداخليّة منها وبين الخارجيّة وكما أنّه لا يمكن الاستفسار عن إطلاق وجوبه وتقييده بالنسبة إلى الداخليّة ـ على ما اعترف به المستدلّ ـ فكذلك بالنسبة إلى الخارجيّة لكونها من لوازم وجوده.
وقد ذكر بعض المحقّقين بعد ما قرّر الجواب عن الاستدلال على طريق الإجمال : أنّ هذه الشبهة نظيرها أن يقال : إنّه إذا قال أحد : « أشتري اللحم غدا من السوق » لزم أن لا يكذب بعدم الاشتراء في الغد إذا لم يدخل السوق ، لأنّه إمّا أن يشتريه على أيّ تقدير دخل السوق أو لا ، أو يشتريه على تقدير الدخول ، والأوّل محال فلا يكون هو معنى الكلام