لظهور أنّ العقلاء لم يخطّئوا مثل هذا الكلام ولم ينسبوه إلى الاستحالة فتعيّن الثاني ، فصار الكلام بمنزلة « أشتري اللحم إن أدخل السوق » فيلزم أن لا يكذب بعدم الاشتراء إن لم يدخل السوق وهو ظاهر. وكذا إذا قال المسافر : « أدخل البلد غدا » فيقال : أيدخله على تقدير قطع الطريق وعدمه ، أو على تقدير القطع ، أو قال أحد : « النهار موجود » فيقال أهو موجود على تقدير طلوع الشمس وعدمه ، أو على تقدير طلوعه ، إلى آخر ما ذكره. انتهى.
وهو كما ترى ، فإنّ الإخبار بالشراء متضمّن للإخبار بالدخول أيضا ، فتارك الدخول كاذب بسبب مخالفته الخبر الضمني ، ومثله الكلام في باقي الأمثلة.
وسادسها : ما قرّره الفاضل المذكور أيضا بقوله : « حقيقة التكليف عند العدليّة هي إرادة الفعل على جهة الابتداء بشرط الإعلام ، فالّذي عليه مدار الإطاعة والعصيان هي الإرادة المتعلّقة بالشيء والألفاظ إنّما هي أعلام دالّة عليها ، والعلامة قد يكون شيئا آخر من دلالة عقل أو نصب قرينة اخرى.
وذهبت الأشاعرة إلى أنّ التكليف لا يستلزم الإرادة ولا الدلالة عليها ، بل الطلب الّذي هو مدلول صيغة الأمر شيء آخر وراء الإرادة يسمّونه كلاما نفسيّا.
وعند المعتزلة أن ليس ها هنا معنى يصلح لأن يكون مدلول لصيغة الأمر إلاّ الإرادة.
وقد طال التشاجر وامتدّ النزاع بينهما والصواب مختار العدليّة ، وتمام الكلام في ذلك متعلّق بفنّ الكلام ولا يسعه المقام.
وظنّي أنّه يكفيك مؤنة التشاجر إن نراجع وجدانك عند حصول الأمر هل تجد في نفسك كيفيّة اخرى يصلح لأن يكون مدلول الصيغة أم لا؟
فإنّك عند التأمّل في النفس والكيفيّات والهيئآت العارضة لها لم تجد شيئا كذلك ، فإذا تأمّلت وجدت العلم والقدرة والإرادة والكراهة والشهوة والنفرة والهمّ والغمّ والفرح إلى غير ذلك من المعاني المعلومة ولم تجد المعنى الّذي يجعلونه مدلول الأمر.
نعم إذا تحقّق الإرادة وتخلّف إطلاق الصيغة لمانع ، فعند حدوث الصيغة يتوهّم الأوهام اقتضاء أو حالة اخرى.
والتحقيق : أنّه لم يحدث في هذه الحالة للنفس كيفيّة اخرى إلاّ العلم بالإعلام والعلم بعلم المأمور بالإرادة أو غير ذلك ممّا يتبع الإعلام التابع لإطلاق اللفظ ، فانظر هل تقدر أن تحدث تلك الكيفيّة في نفسك من غير إيجاد اللفظ وإطلاق الصيغة ، فإن أجرأت على القول