صدقه وصحّة استعماله ، والتالي باطل والملازمة بيّنة من جهة أنّهما من لوازم المترادفين ، وبطلان التالي لقضاء الاستعمالات الواردة في العرف بذلك ، فإنّ الإرادة بحسب التعدية إنّما تتعلّق بما لا يضاف إلاّ إلى من هي قائمة بنفسه ، فيقال : « أردت أن أقوم أو أكتب أو أحجّ » و « فلان يريد أن يزور أو يصلّي أو يصوم » ولا يقال : « طلبت أو يطلب » والطلب يتعلّق بما يضاف إلى غير من هو قائم بنفسه فيقال : « طلبت منك الشيء الفلاني » أو « فلان طلب منّي كذا » ولا يقال : « أردت أو أرادوا ».
وإنّ الطلب يكثر إضافته إلى الأعيان والجثث فيقال : « طلب الرزق » و « طلب المال » و « طلب الماء » ونحو ذلك ، بخلاف الإرادة فإنّها لا تضاف إلاّ إلى المعاني والأحداث ، وأيضا يصحّ أن يقال في تفسير قولك : « استخرجت واستعملت واستفهمت » ونحو ذلك « طلبت » ولا يصحّ أن يقال : « أردت » وإنّها كثيرا مّا تنسب إلى غير ذوي العقول فيقال : « السماء تريد أن تمطر » و « الأرض تريد أن تنفجر » و « الماء يريد أن يجري » و « الفرس يريد أن يعدو » ومنه « الجدار يريد أن ينقضّ » في الآية الشريفة ، بخلاف الطلب حيث لم يجئ لغير ذوي العقول.
ولو اريد به اتّحادهما بحسب ما اعتبر في مفهوم الأمر صيغة ومادّة بدعوى كونهما متصادفين في هذا المورد وإن تغايرا في سائر الموارد ، فيدفعه :
أوّلا : كونه ممّا يكذّبه الوجدان السليم والفهم المستقيم حسبما قرّرناه سابقا.
وثانيا : صحّة قولنا : « أردت الشيء الفلاني فطلبته منك » من غير استهجان ولا انفهام تكرار ، وهو كما أنّه يكشف عن تغايرهما فكذلك يرشد إلى تأخّر رتبة الطلب عن رتبة الإرادة حسبما تقدّم تقريره ، لمكان « الفاء » الظاهر في الترتيب ، فلذا لو قيل « طلبت منك الشيء الفلاني فأردته » كان مستنكرا.
وثالثا : أنّ الطلب هنا من الامور الإضافيّة الّتي لا تحقّق لها مع انتفاء شرائط الإضافة ، ولذلك ترى ـ نظرا إلى قضاء الوجدان وتنصيص محقّقي الأعلام ـ أنّه لا ينعقد بدون طرفيه الطالب والمطلوب منه أصلا ، لقبح عقلي واستقباح عرفي بخلاف الإرادة الّتي تتحقّق في شخص واحد جزما ولا يعتبر فيها إضافة إلى الغير أصلا.
ومن هنا ظهر أنّ الطلب إذا اضيف إليه تعالى كان حادثا لكون أحد طرفيه ملزوما للحدوث ، والقول بأنّ الحادث تعلّق الطلب لا نفسه ليس على ما ينبغي ، إذ لا يعقل له بدون التعلّق تحقّق نظرا إلى انتفاء المركّب بانتفاء أحد جزئيه ، بخلاف الإرادة لعدم استلزامها