بحصول الواجب حتّى أنّها إذا وقعت مجرّدة عنه تجرّدت عن وصف الوجوب والمطلوبيّة ، لعدم وقوعها على الوجه المعتبر ، فالتوصّل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب ، ثمّ استدلّ على ذلك بوجوه :
الأوّل : أنّ وجوب المقدّمة لمّا كان من باب الملازمة العقليّة فالعقل لا يدلّ عليه زائدا على القدر المذكور.
والثاني : أنّه لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم : « اريد الحجّ واريد المسير الّذي يتوصّل به إلى فعل الحجّ دون ما لا يتوصّل به إليه وإن كان من شأنه أن يتوصّل به إليه » بل الضرورة قاضية بجواز التصريح بمثل ذلك ، كما أنّها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيّتها مطلقا أو على تقدير التوصّل بها إليه ، وذلك آية عدم الملازمة بين وجوب الفعل ووجوب مقدّمته على تقدير عدم التوصّل بها إليه.
والثالث : أنّه حيث أنّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها إلى الواجب وحصوله ، فلا جرم يكون التوصّل بها إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيّتها ، فلا تكون مطلوبة إذا انفكّت عنه ، وصريح الوجدان قاض بأنّ من يريد شيئا لمجرّد حصول شيء لا يريده إذا وقع مجرّدا عنه ، ويلزم منه أن يكون وقوعه على الوجه المطلوب منوطا بحصوله.
وبالتأمّل فيما قدّمناه يظهر بطلان ذلك وفساد أدلّته المذكورة.
وإن شئت زيادة توضيح في ذلك فنقول : إنّ القول بكون الواجب من المقدّمة هي المقدّمة الموصلة ليس له عند التحقيق مفهوم محصّل إلاّ دعوى اختصاص الوجوب فيما بين المقدّمات بما يكون علّة تامّة أو الجزء الأخير منها ، إذ لا يكون ما عداهما من المقدّمات إلاّ الشرط وعدم المانع الراجع إليه والسبب المصادف لانتفاء الشرط والسبب المقارن لوجود المانع.
ولا ريب أنّ شيئا من ذلك لا يصلح لاتّصافه بوصف الإيصال وإلاّ لكان خلاف الفرض ، وهو كما ترى قول مستحدث يبطله الآراء.
فإن قلت : إنّما يصحّ لو اعتبرنا تلك الامور بشرط لا دون ما لو اعتبرناها بشرط شيء.
وبعبارة اخرى : لو أخذنا الشرط وغيره ممّا ذكر منفردا فالأمر كما ذكرت من عدم الاتّصاف بوصف الإيصال ، بخلاف ما لو أخذناه منضمّا إليه غيره ممّا له دخل في وجود الواجب فإنّه يستلزم الإيصال جزما فلا يلزم المحذور.