ذلك هو المراد من وجوب المقدّمة لكان قولا بنفي الوجوب لا إثباته كما لا يخفى على المتدبّر.
وأمّا الثاني : فلأنّه ما لا ينكره القائل بعدم اعتبار وصف الإيصال في المقدّمة ، فإنّ الجزء الأوّل مفاد وجوب المقدّمة على الإطلاق.
وأمّا الجزء الثاني فلأنّه مفاد وجوب أصل الفعل كما عرفت ، ولكن أخذه في مفهوم وجوب المقدّمة كما ترى ممّا يكذّبه السليقة ويرمى زاعمه باعوجاج الذوق والفطنة.
وأمّا الثالث : فلاستحالته من جهة أدائه إلى اشتراط إيجاب الشيء بحصوله نظرا إلى أنّ الوصول إلى الواجب يستلزم حصول المقدّمة واشتراط الوجوب به اشتراط له بحصولها ، مضافا إلى كونه من باب الإقدام على الفعل بعد حصول الغاية المطلوبة فيكون تحصيلا للحاصل.
وأمّا الرابع : فلاستلزامه انقلاب العلّة التعليليّة علّة تقييديّة أو كون الشيء علّة تعليليّة وتقييديّة معا ، والأوّل خلاف الفرض لما عرفت من أنّ المفروض كون الوصول علّة غائيّة للطلب فكيف ينقلب قيدا في المطلوب ، والثاني محال لأدائه إلى اجتماع النقيضين ، فإنّ مقتضى تعليليّة العلّة إطلاق المطلوب ومقتضى تقييديّتها كونه مقيّدا وهما نقيضان.
وأمّا الأدلّة الّتي تمسّك بها الفاضل المذكور ففسادها أوضح من فساد أصل دعواه.
أمّا الوجه الأوّل : فلأنّ كون وجوب المقدّمة من جهة الملازمة العقليّة مسلّم غير أنّها ملازمة بين الوجوبين لا الوجودين ، فإنّ وجود الواجب لما كان متوقّفا على وجود مقدّمته فالعقل يحكم بأنّ إيجابه يستلزم إيجابها ولكن دخول وصف الإيصال إليه فيها يتبع ثبوت الملازمة بين الوجودين ، فإن كانت بحيث يستلزم وجودها لوجوده كما أنّ وجوده يستلزم وجودها كالعلّة والجزء الأخير منها كان متعلّق الوجوب هو المقدّمة مع وصف الإيصال ، فعدم ترتّبه معه يكشف عن أنّ المأتيّ به من المقدّمة ليس بهذا النوع من المقدّمة الواجبة لا أنّه ليس من مطلق المقدّمة الواجبة ، وإن كانت بحيث لا يستلزم وجودها لوجوده كالشرط ونحوه لكون الاستلزام من طرف واحد كان متعلّق الوجوب هو هذه المقدّمة لا مع وصف الإيصال ، كيف (١) ولو لا ذلك لزم أن لا يجب شرط أصلا ، أو يعتبر فيه عند الوجوب انضمامه
__________________
(١) مع أنّا نقول : إنّ وجه مناط وجوب المقدّمة إنّما هو كون تركها مفضيا إلى ترك ذيها كما تبيّن عمّا قدّمناه من تقرير الاستدلال ، وهذا معنى يشمل المقدّمات الغير الموصلة في حدّ ذاتها بحسب الوجود إليه كالشروط وما هو بحكمها والمقدّمات الموصلة كالعلل والجزء الأخير منها. ( منه عفي عنه ).