وفي كلام بعض الأفاضل : وقد يجعل أعمّ من الإرشاد أيضا حسبما يستفاد من الإحكام ، حيث جعل مفهوم الطلب شاملا للثلاثة وفرّق بين الندب والإرشاد بأنّ الندب ما كان الرجحان فيه لأجل مصلحة اخرويّة والإرشاد ما كانت المصلحة فيه دنيويّة.
ثمّ جعل الأظهر كونه قدرا مشتركا بين الوجوب والندب كما هو المعروف ، تعليلا بظهور أنّ المقصود من الإرشاد هو بيان المصلحة المترتّبة من دون حصول اقتضاء هناك على سبيل الحقيقة ، فهو إبراز للمصلحة المترتّبة على الفعل بصورة الاقتضاء.
ألا ترى أنّه قد يكون ما يأمره به على سبيل الإرشاد مبغوضا عنده ولا يريد حصوله أصلا ، كما إذا استشاره أحد في إكرام زيد أو عمرو وهو يبغضهما ويريد إهانتهما ومع ذلك إذا كانت مصلحة المستشير في إكرام زيد مثلا يقول له : « أكرم زيدا » مريدا بذلك إظهار المصلحة المترتّبة عليه من غير أن يكون هناك اقتضاء منه للإكرام ، وهذا بخلاف الندب لحصول الاقتضاء هناك قطعا ألاّ ترى أنّه غير بالغ إلى حدّ الحتم ، من غير فرق بين ما يكون السبب فيه المصلحة الدنيويّة أو الأخرويّة ، كما أنّه لا فرق في الإرشاد بين ما إذا كان الغرض إبداء المصلحة الدنيويّة أو الاخرويّة ، كيف ولو لا ما قلنا لم يكن ندب في أغلب الأوامر العرفيّة لعدم ابتنائها على المصالح الاخرويّة في الغالب.
ومع الغضّ عن جميع ما ذكر فقد يكون المصلحة الدنيويّة المتفرّعة على الفعل عائدة إلى غير المأمور وليس ذلك إذن الإرشاد ، فلا يتمّ ما ذكر من الفرق إلى آخر ما ذكره.
أقول : وكأنّ النزاع بين هذا الفاضل والّذي اشير إليه لفظيّ ، فإنّ الطلب له نسبة إلى أصل الفعل ونسبة إلى المصلحة المترتّبة عليه ، وانتفاؤه في الإرشاد بالقياس إلى الفعل لا يقضي بانتفائه بالقياس إلى المصلحة.
ألا ترى أنّه لو توقّف انتظام أمر من امور دنياك على إكرام من تغضبه ولا تحبّه فأنت تكرمه طلبا لتلك المصلحة ، مع أنّ الإكرام ليس بمطلوب عندك أصلا بل كثيرا مّا يكون مبغوضا لك.
والظاهر إنّ من جعله مشتركا بين الثلاثة نظره إليه بالقياس إلى المصلحة ، فلذلك ترى السيّد في المنية عبّر بأنّ هذه الثلاث مشتركة في طلب تحصيل المصلحة ، كما أنّ نظر هذا الفاضل إلى الطلب بالقياس إلى الفعل المشتمل على تلك المصلحة.
ومن البيّن أنّ حصول الطلب بالنسبة إلى المصلحة لا ينافي انتفاءه بالنسبة إلى الفعل.