شأني قابل لكلّ منهما حاصل قابليّته بتفريغه عن البياض بعد ترجيح أحدهما على الآخر ، فكما أنّ وجود ما يترجّح وانعدام ما يترجّح عليه يتوقّف على حصول ذلك المرجّح وتعيّن الرجحان للراجح ، فكذلك ارتفاع البياض يتوقّف عليه على حدّ سواء.
غاية الأمر حصول الجميع في آن واحد من دون ترتّب في البين ، وهو من آيات عدم مقدّمية البعض لغيره وكون تحقّق كلّ مع الآخرين من باب المقارنات والتلازم المحض الناشئ عن أمر خارج عن الجميع.
وأمّا أصحاب القول بالتمانع بين الضدّين القاضي بكون ترك كلّ مقدّمة لفعل الآخر فليس لهم إلاّ بعض المصادرات وغيرها من الوجوه الواهية وأقوى ما يذكر في الباب ما استفدناه عن بعض مشايخنا من حكم الضرورة وقضاء الوجدان بتمانع الأضداد الوجوديّة ، ضرورة أنّه لو فرضنا وجود أحد الضدّين في محلّ استحال معه وجود الضدّ الآخر في ذلك المحلّ ، وليس ذلك إلاّ من جهة كون الأوّل مانعا من دون أن يعقل له مانع آخر من الامور الوجوديّة والعدميّة ، ولو مع غضّ البصر عن كلّ أمر وجودي وكلّ أمر عدمي.
فلو قيل : لعلّ الاستحالة مستندة إلى عدم وجود علّة ذلك الضدّ ، لنقلنا الكلام إلى تلك العلّة فنسأل عن إمكان وجودها ، فلو قيل : بالإمكان ، منعناه بكونه خلاف بديهة العقل ، ولو قيل بالاستحالة سألنا عن مستندها فلابدّ حينئذ إمّا من انتهائه إلى أمر وجودي أو ذهاب الأعدام إلى ما لا نهاية له ، والثاني باطل بحكم العقل فتعيّن الأوّل ويثبت به المدّعى لكون الأمر الوجودي المفروض هو المانع.
فلو قيل : لعلّ مستند الاستحالة عدم بقاء محلّ لوجود ذلك الضدّ وهو من شرائط الوجود وانتفاؤه يفضي إلى انتفاء المشروط ، نقلنا الكلام إليه ونسأل عن مستند عدم بقاء المحلّ ، فإن اجيب : بأنّ المستند وجود الضدّ الموجود لاكتفينا به لكونه هو المانع إذ لا نعني به إلاّ ما يكون منشأ للعدم ، وإن اجيب : بأنّه غير ذلك فلابدّ من بيانه لننظر فيه.
ولو قيل : لعلّ مستند الاستحالة علّة ثالثة لا نعلمها بالخصوص.
لقلنا : بأنّ العلّة إن كان أمرا وجوديّا فهو المانع ، وإن كان أمرا عدميّا فإمّا أن ينتهي إلى أمر وجودي فهو المانع أيضا ، أو يذهب الأعدام إلى ما لا نهاية له وهو باطل ، والأوّل هو المتعيّن وهو المطلوب ، إذ لا نعني بالمانع إلاّ ما كان مستندا لعدم الشيء سواء فرضه ضدّا لذلك الشيء أو غيره من الامور الوجوديّة الّتي هي من لوازم ضدّه.