ولو قيل : بأنّ المستند لعلّه عدم وجود شيء من مقدّمات وجوده.
لقلنا : نفرض الكلام فيما يتحقّق جميع ما له دخل في وجوده من مقدّماته مقرونة مع الضدّ الموجود ، ومعه يستحيل وجوده أيضا ولا يكون إلاّ لأجل مانعيّة ضدّه.
فإن قلت : إنّ هذا الفرض محال.
قلنا : ما الداعي إلى استحالة ذلك فهل هو إلاّ أمر وجودي؟ وإن التزموا به فاعترفت بمطلوبنا ، لأنّ ما فرضته من الأمر الوجودي هو المانع.
فبالجملة لا وجه لانكار التضادّ فيما بين المتضادّين وكونه من مقتضيات ذاتيهما ، فيكون وجود كلّ مانعا عن وجود الآخر إذ أحقّ ما يستند إليه امتناع وجود الطرف المقابل للضدّ الموجود إنّما هو وجود ذلك الضدّ ، وأمّا غيره من لوازمه وخواصّه فهو أيضا وإن كان يضادّ الطرف الآخر ويمنع عن وجوده إلاّ أنّ التضادّ حينئذ ليس من مقتضيات الذات لأنّه مع قطع النظر عن معروضه ومحلّه ربّما يمكن فرض اجتماعه مع ذلك الضدّ ، وإنّما يستحيل اجتماعه بالإضافة إلى موضوعه ، كما أنّ التضادّ فيما بين خاصّة كلّ مع خاصّة الآخر من هذا الباب لعدم كونه قائما بهما لذاتهما ، بل إنّما هو لأجل موضوعيها فإذا ثبت أنّ الضدّ مانع فتبيّن أنّ عدمه شرط لأنّ عدم المانع من جملة الشروط والشرط من المقدّمات.
وبالتأمّل فيما قرّرناه عند ذكر الأدلّة يتبيّن دفع ذلك ، وإن شئت التصريح به فنقول : إنّ المانع على ما يقتضيه الضرورة والوجدان هو الّذي يستند إليه العدم استنادا حقيقيّا ، مضافا إلى أنّه الّذي يقتضيه قانون المشتقّ من كونه لحال التلبّس ولأجل ذلك جعل عدمه شرطا وموقوفا عليه لوجود المشروط ، وقيل في تحديده : « ما يلزم من وجوده العدم » بمعنى كون وجوده لذاته منشأ للعدم ، وإلاّ فعدّه مانعا وجعل عدمه شرطا مع قيام التأثير في الوجود أو العدم بغيره من خواصّه ولوازمه البعيدة يشبه بالأكل من القفاء وهو بعيد من أنظار العلماء مع مخالفته لما يظهر من اصطلاحهم.
ولا ريب أنّ الشيء في وجوده كائنا ما كان يفتقر إلى العلّة التامّة ، وهي أمر يتركّب من وجود المقتضي وفقد المانع ، فلو فرض وجود المقتضي مع وجود المانع كان العدم لازما لذلك الشيء مستندا إلى وجود المانع استنادا حقيقيّا في نظر العرف والعقل ، ولو فقد المقتضي استند إليه العدم كذلك سواء قارنه وجود المانع أو لا ، بحيث لا يستريب ذو مسكة في أنّه على تقدير وجوده حينئذ ليس له مدخليّة في العدم أصلا ، بل ولا يطلق عليه اسم