« المانعيّة » ولو اطلق كان على سبيل المجاز.
ولا ريب أيضا أنّ الضدّين إذا وجد أحدهما في محلّ وانعدم الآخر كان انعدام ذلك المعدوم لا يستند إلاّ إلى فقد مقتضيه ، ويكون وجود الضدّ الموجود مقارنا لفقد ذلك المقتضي المقارن لوجود مقتضيه ، ولا ينبغي حينئذ السؤال عن ذلك المقتضي أو علّة فقده ، ولو كابر أحد وسأل نجيب بأنّ المقتضي للوجود هو الرجحان بمعنى اعتقاد النفع أو نفس النفع الّذي يعبّر عنه بـ « موافقة الغرض » وهو الغاية المطلوبة ، ولا شكّ أنّ الضدّ المعدوم فاقد لهذا المعنى ، إمّا لأنّه لا غرض أصلا ليوافقه أو الغرض شيء قائم بغيره من الضدّ الموجود ، وهذا هو الأمر الوجودي الّذي ينتهي إليه العدم وله في تأثيره نسبة إلى وجود الضدّ الموجود وعدم الضدّ المعدوم على حدّ سواء ، لقضاء الوجدان الضروري بكونه مؤثّرا في ذلك الوجود وهذا العدم في آن واحد ، فيكونان معلولين لعلّة واحدة من دون أن يتحقّق بينهما توقّف لأحدهما على الآخر ، ومجرّد قيام ذلك الغرض بالضدّ الموجود لا يقضي باستناد عدم الآخر إليه استنادا حقيقيّا حتّى يكون مانعا لخروجه عن ماهيّته بالمرّة ، ضرورة خروج غايات الأفعال عن حقائقها شطرا وشرطا ، ولو اطلق عليه اسم « المانعيّة » على المجاز أو جعله إصطلاحا فلا مشاحّة ، غير أنّه لا يترتّب عليه أثر من حيث إنّ الكلام إنّما هو في أمر معنوي ، وهو استناد العدم إلى ما اطلق عليه « المانع » ليكون عدمه شرطا ومقدّمة وقد عرفت أنّه ليس كذلك.
وبذلك يتبيّن أنّ ما [ في ] كلام بعض الأعلام ـ من الاستدلال على كون ترك الضدّ مقدّمة لفعل المأمور به باستحالة وجود الضدّين في محلّ واحد ، فوجود أحدهما يتوقّف على انتفاء الآخر عقلا فالتوقّف عقلي وإن كان الضدّ شرعيّا ـ ليس على ما ينبغي ، لعدم خلوصه عن مصادرة ، واشتماله على ما هو أعمّ من مطلوبه ، فإنّ استحالة وجود الضدّين في محلّ واحد مسلّمة ولكنّها غير مجدية في إثبات المطلوب.
لأنّا نقول : بأنّها من جهة استلزام وجود أحدهما لعدم الآخر والاستلزام أعمّ من التوقّف.
ألا ترى أنّه لو كانا متلازمين لملزوم واحد ومعلولين لعلّة ثالثة خارجة عنهما لاستحال الانفكاك بينهما وامتنع الاجتماع أيضا ، لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة ومع ذلك فكيف يجعل مجرّد استحالة الاجتماع في محلّ واحد دليلا على التوقّف.
وقريب من ذلك في الضعف ما قرّره في الضوابط عند الاستدلال على مقدّميّة الترك