من صرفه إلى مصاديقه ، لأنّه معدوم صرف والأحكام لا تتعلّق بالمعدومات ، ومصاديقه إنّما هو الأضداد الخاصّة فالنزاع بين من يدّعي النهي عن الضدّ العامّ بهذا المعنى ومن يقول به في الضدّ الخاصّ لفظيّ ، والّذي يدلّ على نفي الاقتضاء في الضدّ الخاصّ يدّعي على نفيه في الضدّ العامّ أيضا.
ومنها : رجوعه إليه بحسب المعنى ، وذلك لأنّ الضدّية للشيء إنّما هي من أوصاف وجوده الخارجي ، نظرا إلى أنّ ضدّ المأمور به عبارة عمّا لا يجامعه في محلّ واحد بحسب الوجود الخارجي ، فلابدّ وأن يكون الموصوف بها ما يصلح لأن يوجد في الخارج.
ولا ريب أنّ أحد الأضداد إن اعتبر مفهومه فهو أمر اعتباري صرف ولا محصّل له في الخارج أصلا فلا يصلح لأن يتّصف بالضدّية ، فلابدّ وأن يراد به مصاديقه.
ولا ريب أنّ مصاديقه هي الأضداد الوجوديّة بعينها وهذا هو الأوجه.
وقد يوجّه العبارة بما لا كرامة فيه وهو : أنّ النهي عن طبيعة الضدّ مستلزم للنهي عن كلّ الأفراد ، فيكون قولنا : « أزل النجاسة » بناء على اقتضائه النهي عن الضدّ العامّ بمعنى أحد الأضداد الوجوديّة بمنزلة : « لا تصلّ » لأنّ النهي عن طبيعة الضدّ مستلزم للنهي عن أفراده ، كما أنّ « أزل النجاسة » بناء على اقتضائه النهي عن الضدّ الخاصّ أيضا بمنزلة « لا تصلّ » فيكون مرجع النهي عن أحد الأضداد الوجوديّة إلى النهي عن الضدّ الخاصّ.
ثمّ يعترض عليه : بأنّا إن قلنا بأنّ « أزل النجاسة » يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ لكان خصوص الصلاة منهيّا عنه ، فيكون بمنزلة أن يقول الشارع : « أزل النجاسة ولا تصلّ » فلا تصحّ الصلاة حينئذ ، لأنّه نظير قوله : « صلّ ولا تصلّ في الدار المغصوبة ».
وبعبارة اخرى : صار بمنزلة أن يقول : « افعل الصلاة ولا تفعل الصلاة حال كونها ضدّا للإزالة » فيكون الجهة تعليليّة والجمع آمريّا والصلاة باطلة.
وإن قلنا بأنّه يقتضي النهي عن ضدّه العامّ بمعنى أحد الأضداد الوجوديّة كان قول الشارع : « أزل النجاسة » بمنزلة قوله : « لا توجد ضدّا » فيكون صلاة تارك الإزالة صحيحة لأنّ قوله : « أزل النجاسة ولا توجد ضدّا مّا » نظير قوله : « صلّ ولا تغصب » وكما أنّ هذا لا يستلزم البطلان فكذا هذا ، لكون الجمع مأموريّا لرجوع النهي إلى الوصف الخارج أعني الضدّية والغصبيّة.
إلى أن قال : فظهر أنّ النهي عن أحد الأضداد لا يرجع إلى النهي عن الضدّ الخاصّ لما