توهّم أنّا نجوّز الأمر بالمتضادّين كالكتابة والنساجة في زمان واحد ، كيف وأنّ تجويز التكليف بالمحال من خواصّ الأشاعرة ونحن بريئون عن هذا المذهب ، والجمع بين المتضادّين محال لا من جهة التمانع ـ كما توهّم ـ بل من جهة استلزام وجود كلّ عدم الآخر ، فلو سوّغنا الجمع بينهما في الوجود لسوّغنا الجمع بين وجود كلّ مع عدمه لاستحالة انفكاك اللازم عن ملزومه ، ولمّا كان الجمع بين وجود شيء وعدمه محالا بالذات كان ما يستلزمه وهو الجمع بين وجوده ووجود ضدّه محالا ، ضرورة كون ملزوم المحال محالا ، غايته كون الاستحالة بالقياس إليه بالعرض لا بالذات كما في لازمه ، فيقبح بضرورة العقول من الحكيم العدل أن يلزم العبد بالجمع بينهما ، بأن يأمر بهما معا أمرا عينيّا وأراد الامتثال بهما في زمان واحد.
فلو صدر منه أمران بشيئين متضادّين لابدّ من الالتزام بالتفريق بينهما في الامتثال إن لم يعلم بإرادة الامتثال في زمان واحد ، وإلاّ فلا مناص من حمله على إرادة التخيير وإن كان الأمر بمجرّده ظاهرا في العيني ، لأنّ المصير إلى خلاف الظاهر مع قيام القرينة عليه ـ وإن كانت عقليّة ـ ممّا لا حزازة فيه أصلا ، ولذا صرنا سابقا في الواجبين المضيّقين إلى التخيير بينهما أو ترجيح ما هو الأهمّ منهما وفاقا لغير واحد من الأعلام.
ولكن يبقى في المقام إشكالان :
أحدهما : أنّ الجماعة أطلقوا في الحكم بترجيح ما هو الأهمّ منهما ، وهو إنّما يتمّ إذا كان تعلّق الأمر بالمتضادّين على سبيل الإجمال ، كما لو كان كلّ فردا من عامّ مأمور به اصولي كقوله : « أكرم العلماء » أو منطقي مع استفادة التكرار بمعونة الخارج كما في قوله : « أطع والديك » و « أنقذ الغريق » ونحوه ممّا علّق على وصف مستفاد منه العلّية عرفا لما ستعرفه ، وأمّا إذا تعلّق الأمر بهما على سبيل الاستقلال والتفصيل كما لو جمع بين الكتابة والنساجة وأمر بهما معا تفصيلا فلا ، لأنّه لو كان المتعيّن عنده ما هو الأهمّ عندنا لكان عليه الاقتصار به فقط في الخطاب لئلاّ يلغو الخطاب بغيره لعدم تعلّق غرضه به والحكيم منزّه عن ذلك ، فلابدّ حينئذ من إلغاء جهة الترجيح ويقال بالتخيير أيضا ، بدعوى عدم الملازمة بين كون الشيء أهمّ عند الله في نظرنا وكونه كذلك في الواقع ، لجواز الخطأ علينا في فهم الأهمّيّة وإنّما يكشف الجمع بين الخطاب به والخطاب بغيره عن تساويهما في الرتبة في نظره ، فلا يكون التخيير حينئذ تسوية بين الراجح وغيره.