وإن كان مضيّقا والضدّ مضيّقا أيضا فقد سبق حكمه من وجوب الرجوع إلى الترجيح أو التخيير. وكذا إن كان الضدّ مندوبا مضيّقا ، وأمّا في البواقي فيتعيّن الحكم بحرمة المباحات الغير المنصوصة على إباحتها في وقت المأمور به ، لأنّ دليلها يكون هو الأصل وهو يزول بدليل المأمور به.
وأمّا غير المباحات فاللازم الرجوع إلى دليلي المأمور به والضدّ وملاحظة أنّ ما يلزم من دليل المأمور به من النهي عن الضدّ وحرمته يعارض المدلول المطابقي لدليل الضدّ أم لا ، ثمّ ملاحظة كيفيّة التعارض فيحكم بحرمة الضدّ مطلقا وبطلانه إذا كان عبادة لو كان دليل المأمور به أخصّ مطلقا ، وبالجواز والصحّة في سائر صور التعارض إلى آخره.
ويكون محصّل كلامه تسليم الحرمة في المباحات في صورة واحدة وتسليمها مع البطلان في غيرها في صورة واحدة أيضا ، وهو ما كان دليل المأمور به أخصّ مطلقا من دليل الضدّ ، وأمّا في غيرها فقد حكم بعدم حرمة الضدّ مطلقا وعدم بطلانه إذا كان عبادة من غير فرق بين أن يكون بين دليلهما عموم مطلق أو من وجه.
ثمّ أورد بالنسبة إلى الثاني سؤالا بقوله : « فإن قيل : إنّ من صور التعارض ما كان بالعموم من وجه فما السرّ في الجواز والصحّة فيها؟ ».
فأجاب بقوله : « قلنا : السرّ أنّه لمّا لم يعلم المخصّص منهما بخصوصه فلا يحكم بتخصيص شيء منهما قطعا ، ويجوز العمل بعموم كلّ منهما لعدم دليل مخصصّ لهما مع أصالة عدم التخصيص ، نعم لا يمكن العمل بعمومهما معا للقطع بتخصيص واحد منهما ، نظير وجدان المنيّ في الثوب المشترك حيث يحكم بصحّة صلاة كلّ منهما ويجوز دخوله المسجد.
إلى أن قال : هكذا ينبغي أن يحقّق المقام وما سبقني على ذلك أحد. انتهى.
ولا يخفى ما فيه مع كونه تطويلا بلا طائل من خروجه عن السداد والصواب ، فإنّ من يفرّع البطلان على القول بالاقتضاء فإنّما يفرّعه بدعوى الملازمة من وجوه ثلاث ، ملازمة الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه ، وملازمة النهي عن الشيء تحريم المنهيّ عنه ، وملازمة تحريم الشيء بطلانه إن كان عبادة.
والّذي يمنع عن هذا التفريع لابدّ له من منع إحدى تلك الملازمات. وما ذكر من التفصيل في مقام المنع إن كان واردا مورد منعها كلاّ أم بعضا فهو فاسد.
أمّا أوّلا : فلكونه منافيا لمذهبه في المقامات الثلاث ، فإنّه يرى الأمر ملازما للنهي كما