وأمّا الأمر بالقضاء في الجملة فهو ثابت لاستصحاب الحال وقاعدة الاشتغال ، فثبت في الأمرين الظنّيين وجود الثمرة في مثل تلك الصورة وإن كان بضميمة أصالة الفساد.
نعم لو كان بعد التعارض أصل وجوب القضاء مشكوكا كأصل وجوب الأداء فلا يجري الثمرة. انتهى.
وهذا الإيراد وإن خصّ تقريره بالقول بأنّ الأمر يقتضي عدم الأمر بالضدّ ، غير أنّه جار في القول باقتضائه للنهي أيضا ، بل هو مصرّح به في ذيل كلام المورد حيث قال : « ثمّ إنّ الإيراد المذكور يرد أيضا على جعلهم ثمرة القول باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ الخاصّ هي فساد الضدّ إن قلنا : إنّ النهي يقتضي الفساد ، انتهى.
وجوابه يظهر بالتأمّل في جواب الإيراد السابق (١) ومحصّله : أنّ إجراء قواعد باب
__________________
(١) وحاصل كلامنا في هذا الجواب : أنّ القطع والظنّ مرآتان للواقع ، ومحلّ الثمرة ما لو اجتمع الأمر المضيّق مع الأمر الموسّع في الواقع مع قطع النظر عن مرآتي القطع والظنّ ، فمدّعيها يقول بكون الأوّل لدلالته على النهي عن الضدّ مقيّدا للثاني بغير مورد الاجتماع ، فلا يفرق حينئذ بين كونهما بحسب الدليل قطعيّين كما لو قام إجماع على وجوب الإزالة فورا ووجوب الصلاة من الدلوك إلى غسق الليل ، فإنّ الأوّل بزعم مدّعي الثمرة كاشف عن كون المجمع عليه مقيّدا بغير صورة المزاحمة.
أو ظنّيين كما لو ورد رواية ظنّي السند على وجوب الإزالة واخرى كذلك على وجوب الصلاة كما ذكر فإنّه يزعم كون الاولى كاشفة عن كون الثانية مقيّدة بغير صورة المزاحمة.
أو الأوّل قطعيّا والثاني ظنّيّا كما لو قام إجماع على وجوب الإزالة فورا ورواية على وجوب الصلاة كما ذكر ، فإنّ الإجماع كاشف عن كون الرواية مقيّدة بغير صورة المزاحمة.
أو الأوّل ظنّيّا والثاني قطعيّا كعكس المذكورة ، فإنّ الرواية حينئذ تكشف عن كون المجمع عليه مقيّدا بغير صورة المزاحمة ، وليس لأحد أن يقول : إنّ الدليل الظنّي لا مجال له في محلّ وجود الدليل العملي ، لجواز أن يكون مذهب مدّعي الثمرة في الظنّ كونه في درجة العلم في الحجّيّة من غير فرق بينهما ، كما يستفاد ذلك عن بعض الأعلام.
وإن شئت بيانا أوضح من ذلك فافرض الكلام فيما لو قال السيّد لعبده : « اسقني ماء » ثمّ قال : « اشتر اللحم » أو عكس الأمر ، نظرا إلى فوريّة الأوّل وتوسعة الثاني بحسب العرف والعادة ، فإنّ الأوّل يكشف عن كون الثاني مقيّدا بغير صورة المزاحمة ، بمعنى عدم شمول الأمر بشراء اللحم للجزء من الزمان الّذي يقع فيه السقي ، ومثله ما لو صدر الأمر بالشراء من السيّد وبلغ أمره بالسقي بواسطة من لا يفيد قوله إلاّ الظنّ ممّن جعل السيّد قوله حجّة عليه ، فإنّ مدّعي الثمرة يجعله كاشفا ظنّيّا عن المراد بالأوّل ، غاية الأمر كون الفساد الّذي يقول به ظنّيّا لا قطعيّا.
ومثل ما ذكر ما لو سمع المشافه من المعصوم يقول : « يجب إزالة النجاسة من المسجد » و « يجب الصلاة من الزوال إلى المغرب » فإنّ الأمر بالإزالة المضيّق لكونه نهيا عن الصلاة يكشف عن عدم شمول الأمر بها للزمان الّذي يقع فيها الإزالة ، بمعنى أنّ المعصوم إنّما أراد من هذا الأمر غير ذلك الزمان لئلاّ ينافي الحكمة ولا يلزم اللغو ( منه عفي عنه ).