التعارض في أمثال المقام ليس في محلّه ، فإنّ معقد البحث اتّفاق الأمر المضيّق مع الأمر الموسّع بحسب الواقع كائنا ما كان من غير نظر إلى قطعيّة دليله أو ظنيّته فيهما أو في أحدهما ، والثمرة المذكورة إنّما تترتّب على القول باقتضاء عدم الأمر أو اقتضاء النهي بزعم كون الثاني بحكم العقل مقيّدا بغير صورة الاجتماع وكون الأوّل حاكما عليه ، فلا تعارض بينهما بحسب الواقع حتّى يرجع إلى قواعد التعارض ، ولذا لا يقع التعارض بين العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد وغيرهما من سائر أنواع النصّ والظاهر ، وما يرى بينهما من التنافي في ظاهر اللفظ فإنّما هو تناف بدويّ لا اعتداد به في مجرى تلك القواعد.
ولا فرق فيما ذكر بين العامّ والخاصّ والعامّين من وجه والمتبائنين إلاّ أنّه في الأوّل على طريق السلب الكلّي وفي الأخيرين على طريق السلب الجزئي ، فإنّ العامّين من وجه قد يرتفع التعارض عمّا بينهما بحسب الواقع بشاهد عقلي أو عرفي رافع للافتقار إلى النظر في الترجيح أو التعادل الموجب للتخيير أو التساقط أو التوقّف ، ولذلك ترى أنّ أدلّة نفي العسر والحرج حاكمة على أدلّة سائر الأبواب من العبادات وأدلّة نفي الضرر حاكمة على أدلّة سائر الأبواب في المعاملات ، وأنّ الأدلّة المحظّرة حاكمة على الأدلّة المبيحة مطلقا ، وإن كان بينهما في كلّ من الصور عموم من وجه.
ومن القسم الأخير حكومة أدلّة تحريم الغناء على أدلّة إباحة قراءة القرآن واستحبابها مؤكّدا مع أنّ بينهما عموما من وجه.
والمتبائنين قد يختصّ في حكم العقل أو فهم العرف أحدهما ببعض الأفراد والآخر بالبعض الباقي.
ومن هذا الباب عدم المعارضة بحسب الواقع بين قوله : « أكرم العلماء » وقوله : « لا تكرم العلماء » وبين قوله : « ثمن بول الحيوان سحت » وقوله : « لا بأس بثمن بول الحيوان » ومثله ما لو قال : « ثمن الخمر من السحت » و « لا ضير في ثمن الخمر » فإنّ الذهن بملاحظة الخطابين ينتقل في فهم العرف إلى اختصاص الأوّل بالعدول وغير مأكول اللحم واتّخاذ الخمر للشرب ونحوه من الانتفاعات الاخر ، واختصاص الثاني بالفسّاق ومأكول اللحم واتّخاذ الخمر للتخليل.
وبذلك يبطل ما أفاده بالنسبة إلى الآية والرواية اللتين بينهما عموم من وجه ، فإنّ الرواية على فرض إفادتها الفوريّة إذا كانت حاكمة في حكم العقل على الآية ـ كما هو المفروض ـ