طلب الفعل والمنع عن الترك ، غير أنّه خارج عن الموضوع له فيكون وضع الصيغة للطلب المقيّد على طريقة خروج القيد كوضع العمى للعدم المقيّد وهذا المعنى أوفق بعبارة الضوابط.
ورابعها : أنّ الصيغة لغة وعرفا للطلب الحتمي ، وهو أمر بسيط لا جزء له وإنّما ينحلّ عند العقل إلى طلب للفعل ومنع عن الترك ، فيكون من لوازمه العقليّة الثابتة له في ظرف التحليل.
وعبارة بعض الأعلام أظهر من غيرها في إفادة هذا المعنى بقرينة ما ذكره في بحث الصيغة ، وأشار إليه هنا أيضا من أنّ معنى الوجوب وغيره أمر بسيط إجمالي وهو الطلب الحتمي الخاصّ ولكنّه ينحلّ عند العقل بأجزاء كسائر الماهيّات المركّبة كالإنسان والفرس وغيرهما ، وهذا الطلب البسيط الإجمالي الخاصّ إذا تحلّل عند العقل ينحلّ إلى طلب الفعل مع المنع عن الترك.
وعلى ذلك ينطبق ما أورده بعض الأفاضل على الاعتراض بأنّ الوجوب معنى بسيط لا جزء له ، والمنع من الترك ليس جزء من مدلوله وإنّما هو لازم من لوازمه ، من أنّ الوجوب وإن كان معنى بسيطا في الخارج ولكنّه منحلّ في العقل إلى شيئين ، فإنّ البساطة الخارجيّة لا تنافي التركيب العقلي ، فلا مانع من كون الدلالة تضمّنيّة نظرا إلى ذلك إلى آخره.
فتبيّن ممّا ذكر أنّ المتأخّرين لهم خلاف في موضعين :
أحدهما : في أنّ الوجوب هل هو مفهوم مركّب أو بسيط؟
وثانيهما : في أنّ المفهوم من « الأمر » هل هو شيء مركّب أو لا؟
فالمصنّف ومن وافقه في دعوى كون دلالة « الأمر » على النهي عن الضدّ العامّ تضمّنيّة على أنّ الوجوب مفهوم مركّب ، وأنّ الأمر موضوع لذلك المفهوم المركّب ، وغيره ممّن تقدّم ذكرهم على منع الدعوى الاولى ، ثمّ منع الدعوى الثانية بعد التنزّل عن المنع الأوّل والبناء على المماشاة مع الخصم.
ومن البيّن أنّ هذا الخلاف ليس راجعا إلى الوجوب باعتبار لفظه لغة وعرفا ، إذ لا يستريب أحد في أنّ كونه للمعنى الإنشائي وضع جديد محدث من المتشرّعة أو الشارع في وجه ، ولا فيه باعتبار مفهومه الاصطلاحي ، لأنّ كونه مركّبا في لسان القوم حيث نراهم لا يزالون يفسّرونه بالطلب مع المنع [ من الترك ](١) لا مجال للتأمّل فيه ، بل راجع إليه باعتبار
__________________
(١) أضفناه لاستقامة العبارة.