كونه أحد الخمس المعروفة الثابتة بحسب متن الواقع من غير دورانها إلى اصطلاح ولا تصرّف جديد ، وهو باعتبار العنوان وإن كان خاصّا به إلاّ أنّه من حيث المعنى جار في الجميع ، كما أنّه جار في « الأمر » بكلا اعتباريه الصيغة والمادّة بل يجري أيضا في صيغة النهي ولفظه ، لأنّ الكلّ من باب واحد وظاهر أنّ الوجوب بمعنى طلب الفعل والمنع من الترك باعتبار اندراجه في عداد الأحكام الشرعيّة مفهوم له إضافة إلى فعل المكلّف وإضافة إلى الشارع المكلّف غير أنّه من الحيثيّة الاولى لابدّ من كونه بالبناء للمفعول ومن الحيثيّة الثانية بالبناء للفاعل.
ونحن حيثما نفرّق بينه وبين الإيجاب نريد منه الحيثيّة الاولى ، وحيثما نصرّح بكونه ممّا وضع له صيغة « الأمر » نريد منه الحيثيّة الثانية ، وهما كما ترى حيثيّتان متغايرتان ذاتا ووصفا واعتبارا ، فبطل بذلك ما صار إليه بعض الفضلاء وفاقا لبعض الأفاضل من أنّ الوجوب لا فرق بينه وبين الإيجاب إلاّ بالاعتبار ، فإن قيس إلى الآمر باعتبار صدوره منه كان إيجابا وإن قيس إلى الفعل باعتبار قيامه به كان وجوبا ، والّذي يصلح لكونه محلاّ للخلاف المذكور إنّما هو مفهومه بالحيثيّة الثانية خاصّة ، فيكون مرجعه إلى أنّ ما ينشئه الشارع بالقياس إلى فعل المكلّف هل هو مفهوم مركّب أو لا؟
والقوم على ما عرفت بين من يجعله مفهوما مركّبا ومن يجعله أمرا بسيطا ينحلّ في تحليل العقل إلى مفهوم مركّب.
ولا يخفى أنّ البسيط في لسان العلماء قد يطلق على ما لا جزء له أصلا لا ذهنا ولا خارجا كالجزء الّذي لا يتجّزى على رأي من يزعمه موجودا.
وقد يطلق على ما لا جزء له في الخارج وإن كان له جزء في الذهن كالإنسان الّذي هو عند العقل مركّب من الحيوان والناطق.
وقد يطلق على الشيء بالإضافة إلى ما ادّعي كونه جزءا له مرادا به نفي جزئيّته له كالتصديق على رأي من يجعله بسيطا عبارة عن الحكم فقط دون المجموع منه ومن التصوّرات الثلاث.
وهذا الخلاف لا يمكن إرجاعه إلى المعنى الأوّل إذ تركّب الوجوب ذهنا في نظر العقل ممّا لا مجال لأحد إلى إنكاره ، كيف وله باعتبار كونه من منشآت الشارع مشاركات ، فيجب أن يتحصّل فيه ما به يمتاز عمّا عداه من مشاركاته وإلاّ لاتّحد معها وهو ضروري البطلان والشيء كلّما فرض فيه ما به يشاركه غيره وما به يمتاز عن غيره كان مركّبا عقليّا لا محالة.