وثانيا : منع كون مبدأ الترك أحد الأمرين من الكفّ وفعل الضدّ ، لابتنائه على مقدّمة فاسدة عندنا وهو تحقّق التمانع فيما بين الأضداد الوجوديّة ، بل مبدؤه عدم الإرادة أو إرادة العدم كما هو الحال فيمن يعصي بترك الواجبات.
نعم في غيرها كثيرا مّا يستند الترك إلى عدم الإرادة ، ولا ريب أنّ إرادة العدم أمر اختياري للمكلّف ، فالذمّ على الترك من جهة كونه متولّدا عن الأمر الاختياري نظير سائر التوليديّات.
وثالثا : منع قضاء استناد الترك إلى أحد الأمرين ـ على فرض تسليمه ـ بتوجّه الذمّ إليهما حقيقة ، كيف وهو أيضا مبتن على أصل قد أفسدناه في بحث المقدّمة وهو كون الحكم المتعلّق بالمسبّب ظاهرا متعلّقا بسببه حقيقة ، فإنّ القدرة على السبب تكفي في تعلّق الحكم من إيجاب أو تحريم بالمسبّب الغير المقدور وترتّب جميع لوازمه عليه من ذمّ وعقاب ونحوه ، ولا داعي معه إلى تعلّق ذلك الحكم ولا مثله بالسبب المقدور إلاّ من باب المقدّمية ، وهو وإن كان مسلّما عندنا على فرض ثبوت المقدّمية إلاّ أنّه لا ينفع المستدلّ لخروجه عن مقصوده من الاستدلال كما لا يخفى.
فقوله : « والذمّ بأيّهما كان يستلزم النهي عنه » متّضح المنع ، لجواز كون الذمّ مسبّبا عن الترك الّذي هو مسبّب عن سبب اختياري ، كما أنّ قوله : « إذ لا ذمّ بما لم ينه عنه » واضح المنع ، لما تقدّم من أنّه لازم مترتّب على الأمر وإيجاب الفعل ولا يقتضي معه ملزوما آخر ليكون ذلك نهيا متعلّقا بالترك أو الكفّ أو فعل الضدّ.
وأمّا قوله : « لأنّه معناه » فأوضح فسادا من المقدّمات السابقة ، إذ ليس معنى الذمّ لغة ولا عرفا ولا شرعا إلاّ طلب الترك حتما ، والذمّ من أحكامه في بعض الصور وليس من مداليل اللفظ مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما كما عرفت.
وبذلك تبيّن أنّ مبنى الاستدلال ليس على التوجيه الّذي ذكرناه له تفضّلا ، فحينئذ يكون جواب قوله : « أمر الإيجاب طلب فعل يذمّ على تركه » منع ذلك ، كيف وأنّ الطلب من صفات الآمر والذمّ على الترك متفرّع عليه في بعض الصور ومتأخّر عنه بحسب الوجود ، لتسبّبه عن المعصية المتأخّر زمانها عن زمان الخطاب ، بل أمر الإيجاب هو طلب الفعل على سبيل الحتم والإلزام الّذي هو عبارة عن المنع من الترك ، وليس المنع من الترك عين النهي ولا ملزوما له كما حقّقناه مستوفي.