بل نقول : هو متعلّق بالكفّ ، ولا نزاع لنا في النهي عنه *.
واعلم : أنّ بعض أهل العصر حاول ** جعل القول بالاستلزام منحصرا في المعنوي ؛ فقال : التحقيق أنّ من قال بأنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه لا يقول بأنّه لازم عقليّ له ، بمعنى أنّه لابدّ عند الأمر من تعقّله وتصوّره. بل المراد باللزوم : العقليّ مقابل الشرعيّ ، يعني : أنّ العقل يحكم بذلك اللزوم ، لا الشرع. قال : « والحاصل : أنّه إذا أمر الآمر بفعل ، فبصدور ذلك الأمر منه يلزم أن يحرم ضدّه ، والقاضي بذلك هو العقل. فالنهي عن الضدّ لازم له بهذا المعنى.
وهذا النهي ليس خطابا أصليّا حتّى يلزم تعقّله ، بل إنّما هو خطاب تبعيّ ، كالأمر بمقدّمة الواجب اللازم من الأمر بالواجب : إذ لا يلزم أن يتصوّره الآمر ».
هذا كلامه. وأنت إذا تأمّلت كلام القوم رأيت أنّ هذا التوجيه إنّما يتمشّى في قليل من العبارات الّتي أطلق فيها الاستلزام. وأمّا الأكثرون فكلامهم صريح في إرادة اللزوم باعتبار الدلالة اللفظيّة. فحكمه على الكلّ بإرادة المعنى الّذي ذكره تعسّف بحت ، بل فرية بيّنة.
واحتجّ المفصّلون على انتفاء الاقتضاء لفظا ، بمثل ما ذكرناه في برهان ما اخترناه ، وعلى ثبوته معنى بوجهين :
أحدهما : أنّ فعل الواجب الّذي هو المأمور به لا يتمّ إلاّ بترك ضدّه ،
__________________
* ولا يخفى أنّ ذلك يناقض ما ذكره سابقا في ردّ الجواب عن الوجه الأوّل ، فيرد عليه حينئذ كيف لا نزاع لكم مع أنّ المستدلّ لعلّه يقول بالنهي التزاما وأنتم تزعمونه تضمّنا.
** قيل : إنّه الفاضل الشيرازي « مولانا ميرزاجان » وكان الّذي دعاه إلى ذلك التنزيل احتجاج بعض القائلين بالاستلزام بقاعدة المقدّمية ، الّتي وجوبها تبعي ينشأ من العقل الصرف تبعا بملاحظة الخطاب بذي المقدّمة ، وهو كما ترى اشتباه صرف ناش عن عدم الإحاطة بأقوال المسألة وأدلّتها المقامة عليها فاعتراض المصنّف عليه في محلّه.