على القول بعدم بقاء الأكوان أو بقائها مع احتياج الباقي إلى المؤثّر على تقدير عدم اشتراك فعل أحد الضدّين وترك الضدّ الآخر في العلّة كما يلوح عن المصنّف ، أو أحيانيّا كالمثال المذكور على القول بالبقاء وعدم الاحتياج إلى المؤثّر ومثله الصلاة والغصب وغيرهما من المفهومين اللذين بينهما عموم من وجه ، فهذه أقسام أربع ينبغي النظر في حال كلّ منها بالخصوص ، فها هنا مقامات :
المقام الأوّل : فيما لو كان أحد المتلازمين علّة للآخر ، ولمّا كان البحث هنا راجعا إلى حال الحكم الشرعي وهو من عوارض فعل المكلّف فلابدّ وأن يكون مرادهم بالعلّة والمعلول هنا ما يكون من أفعال المكلّف ، فعلى هذا يلزم خروج التعرّض لحكم المسألة بالنسبة إلى هذا القسم قليل الجدوى ، إذ لا يكاد يتّفق من أفعال المكلّف ما يكون علّة تامّة لفعله الآخر الاختياري ، فكلّ فعل يفرض للمكلّف له مقدّمات من الشروط والأسباب أقلّها الإرادة والعزم ، وما خلا عنهما بالمرّة ليس بفعل اختياري له ، بل لا يكاد يعقل فعل اختياري غير مسبوق بالقصد والإرادة وإن كان من الغافل والمجنون ، لأنّ الغافل إنّما يغفل عن جهة الفعل لا عن إرادة ذاته وتصوّر إيجاده ، والمجنون بجميع أصنافه له في كلّ فعل يصدر عنه قصود وإرادات غايته عدم تعلّلها بغرض أصلا أو تعلّلها بغرض غير صحيح في نظر العقلاء خارج عن مقاصدهم.
ولو سلّم فهو خارج عن محلّ البحث إذ الكلام فيما يصلح لتعلّق التكليف به وأفعال المجنون ليست منه ، إلاّ أن يراد بالعلّة التامّة المجموع المركّب من الشرائط والأسباب وسائر المقدّمات.
وفيه : مع أنّه خلاف ما يظهر عن تتبّع كلماتهم أنّه خارج عن الفرض ، من حيث إنّ الكلام في علّة تكون بنفسها موردا لحكم أصلي تابع للصفة الكامنة فيها أو قابلة له ، وما فرض من العلّة ليس بتلك المثابة ، بل لا يكاد يوجد في الشرع ولا العرف ما يكون من المجموع المركّب من مقدّمات وجود الشيء موردا لحكم أصلي مشتملا على مصلحة واقعيّة منوطا به الثواب والعقاب أو المدح والذمّ ، بل لا يعقل له من الحكم إلاّ ما يكون تبعيّا ثابتا له من باب المقدّمة ، لكونه ممّا يتوصّل به إلى ما هو موردا لحكم الأصلي ، كيف وكثيرا مّا يكون كثير من أجزائه من المقدّمات الغير المقدورة الّتي لا يتعلّق بها حكم فضلا عن كونه أصليّا.