لوضوح أنّ لإرادة الضدّ وعدم إرادة المأمور به أو إرادة تركه مدخليّة في فعل الضدّ وترك المأمور به وهما متقابلان ، فكيف يعقل كون العلّة التامّة فيهما واحدة ، ولا اشتراك لهما أيضا في السبب القريب لتعدّده فيهما غالبا.
نعم قد يتّحدان في السبب القريب كما في صورة الإكراه الموجب لانتفاء إرادة المأمور به وحدوث إرادة ضدّه.
وأمّا لو اريد بها ما يعمّ السبب البعيد أيضا فلا ، لإمكان دعوى انتهائهما بوسائط إلى أمر واحد وهو الغرض المعبّر عنه بالغاية المطلوبة ، فإنّه علّة لحصول ما يوافقه وعدم حصول ما يخالفه ، فإذا كان غرض المكلّف وغايته المطلوبة له في دار التكليف ملازمة التقوى والتقرّب إلى الله جلّ شأنه أو إدراك مثوباته والتحرّز عن سخطه وعقوباته حسبما هو من وظيفة الأولياء والمطيعين ، فالصلاة وغيرها من أنواع العبادات توافق غرضه ذلك ، والنوم وغيره من الأفعال المباحة لا يوافقه ، والزناء وغيره من الأفعال المحرّمة يخالفه ، فقضيّة ذلك رجحان الأوّل ومرجوحيّة الثاني في نظره واعتقاده بهما ، ثمّ ميله النفساني إلى الأوّل وانقباضه عن الثاني ، ثمّ إرادة إيجاد الأوّل وعدم إرادة إيجاد الثاني أو إرادة عدم إيجاده ، فينتهي كلّ من الفعل والترك بالأخرة إلى أمر واحد.
ومثله الكلام في عكس القضيّة كما لو كان غرض الإنسان والغاية المطلوبة له متابعة الهوى والتعبّد بشهوة النفس وطلب راحتها وتربية البدن بملازمة اللذائذ الجسمانيّة من الأطعمة والأشربة والألبسة والأنكحة ونحوها على ما هو من شأن الأشقياء والعاصين ، فالنوم والاشتغال في تحصيل ما يحصل به غرضه كائنا ما كان يوافقه ، والصلاة ونحوها من أنواع العبادات الشاقّة لا يوافقه بل يخالفه.
فقضيّة ذلك رجحان الأوّل ومرجوحيّة الثاني في نظره ، إلى أن آل الأمر بعد الاعتقاد بهما إلى الميل إلى الأوّل فالانقباض عن الثاني ، ثمّ إرادة إيجاد الأوّل وعدم إرادة إيجاد الثاني أو إرادة عدم إيجاده نعوذ بالله من تلك الرتبة الدنيّة ، وإن كان مكافاتها المثوبات الاخرويّة.
ولا ريب أنّ الترك والفعل وإن تقارنا في الحصول من غير علّية بينهما غير أنّ انتهاءهما إلى شيء واحد هو علّة لهما وإن كانت بعيدة ، فالمنع عن ذلك بإطلاقه ليس في محلّه.
وأورد عليه أيضا : بأنّه إنّما يتوجه في صورة الاختيار وأمّا في صورة الإلجاء فلا ، لأنّه يمكن أن يكونا معلولي علّة واحدة ، نعم يسقط التكليف.