فإذا أتى به المكلّف عوقب عليه من تلك الجهة *. وذلك لا ينافي التوصّل به إلى الواجب ، فيحصل ، ويصحّ الإتيان بالواجب الّذي هو أحد الأضداد الخاصّة **. ويكون النهي متعلّقا بتلك المقدّمة ومعلولها ، لا بالضدّ المصاحب للمعلول.
* الضمير المجرور بالباء عائد إلى الضدّ الّذي فرضه واجبا لا يتمّ إلاّ بإرادته مع الصارف الّذي فرضه منهيّا عنه لاقتضائه ترك المأمور به ، والتقييد بالجهة بيان لعدم كون العقاب المترتّب على فعل الضدّ حينئذ من جهة نفسه ، حتّى يقال : إنّه فرع النهي ، بل من جهة اشتماله على مقدّمة محرّمة وهو الصارف لمكان النهي عنه باعتبار كونه مقدّمة سببيّة للحرام ، فالعقاب حقيقة مترتّب عليه لا على فعل الضدّ ، وهذا المعنى كما ترى لا يلائم ما ذكره بعد ذلك من قوله : « وذلك لا ينافي التوصّل به إلى الواجب » لكون الضميرين في سياق واحد ، والمفروض أنّه في الثاني لا يعود إلاّ إلى الصارف فليكن الأوّل أيضا عائدا إليه ، فيكون المعنى حينئذ : أنّ الصارف لكونه منهيّا عنه باعتبار اقتضائه ترك المأمور به إذا أوجده المكلّف يعاقب عليه لا من جهة نفسه بل من جهة اقتضائه ترك المأمور به.
وقيل : إنّ هذا الكلام ظاهر في ترتّب العقاب على ترك المقدّمة ، وهو ضعيف لما قرّر في محلّه من أنّ المقدّمة من حيث هي لا توجب ثوابا ولا عقابا ، ولكن قوله : « من تلك الجهة » يأبى عن إرادة [ هذا ] المعنى لقضائه بكون العقاب الّذي يترتّب عليه هو العقاب المترتّب على الحرام لا ما يزيد عليه حتّى يتعدّد العقاب ، فظهور الكلام فيما ذكر ممنوع.
** إشارة إلى دفع توهّم فساد ضدّ المأمور به إذا كان من الواجبات.
وتوضيحه : أنّ فساد الضدّ إمّا من جهة أنّه لولاه لزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد وهو غير جائز ، فلابدّ من ارتكاب خلاف ظاهر في أحد الخطابين وليس إلاّ تقييد الأمر بالضدّ بغير صورة المعارضة لكونه قابلا له من جهة أنّه موسّع ، أو أنّه لولاه لزم الأمر بالمتضادّين وهو محال لقبح تكليف ما لا يطاق ، نظرا إلى امتناع الجمع بينهما في الامتثال على ما يقتضيه الأمر بهما معا ، فلابدّ من التصرّف في الخطاب بالوجه المذكور ولا سبيل إلى شيء منهما.
أمّا الأوّل : فلأنّه فرع اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ وقد منعناه بجميع طرقه.