وأمّا الثاني : فلأنّ المحذور إنّما يلزم إذا كان الأمران عينيّين مرادا بهما الامتثال في زمان واحد وليس كذلك لمكان توسعة الأمر بالضدّ ، فليس متعلّقه خصوص ما يعارض المأمور به المضيّق بل الكلّي الّذي شموله له ولغيره من الأفراد المفروضة باعتبار أجزاء الزمان بدلي ، فكونه موجبا للامتثال ليس من جهة أنّه مأمور به بالخصوص ، بل من جهة انطباق المأمور به عليه كما لو كان الامتثال حاصلا في ضمن غير هذا الفرد ، فالأمر بالكلّي الشامل له بدلا مع الأمر بالمضيّق لا يعدّ أمرا بالمتضادّين اللذين لا يمكن الامتثال بهما كما هو مناط المنع ، كما يشهد به طريقة العرف حيث يعدّ العبد الآتي بفرد من الموسّع في مكان المضيّق مطيعا بالنسبة إلى الموسّع عاصيا بالنظر إلى المضيّق حيث تركه عن سوء اختياره.
ولا يذهب إلى أنّه أتى بما ليس من المأمور به ولكن كان مسقطا عن المأمور به ، وقد تقدّم زيادة توضيح في هذا المقام في دفع كلام بعض الأفاضل الوارد في منع الثمرة المعروفة الّتي ذكروها للقول باقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ.
فإن قلت : أنّ الحكم بصحّة الضدّ إنّما يصحّ على ما اختاره المصنّف من تجويز اختلاف المتلازمين في الحكم مطلقا في غير العلّة والمعلول ومعلولي علّة واحدة ، وأمّا على ما اخترته من منع ذلك مطلقا بالنسبة إلى الوجوب والحرمة فلا ، لمكان التلازم بين فعل الضدّ وترك المأمور به ، وصحّة الضدّ فرع الأمر به فيلزم أن يكون أحد المتلازمين واجبا والآخر هو ترك المأمور به حراما ، وهو ممّا صرّحت مرارا بعدم جوازه.
قلت : إنّما حكمنا بعدم جواز ذلك من جهة عدم إمكان الامتثال الّذي كان يقتضيه كلّ من الحرمة والوجوب فهو إنّما يسلّم فيما لو كان الأمر بالضدّ عينيّا كالأمر بالمضيّق ، وليس المقام كذلك لكون وجوب الضدّ على فرض كونه واجبا على سبيل التوسعة والمكلّف متمكّن عن امتثاله مع امتثال الحرمة في ترك المأمور به المضيّق بتقديم الإتيان به أوّلا ثمّ الإتيان بالموسّع عقيبه من دون محذور ، فلا يلزم منافاة لحكمة الحكيم لو عصى المكلّف بترك المضيّق فأتى بالموسّع في وقته الخاصّ به ، لعدم كونه عين المأمور به وصحّته عبارة عن كونه موجبا لامتثال الأمر بالكلّي الّذي لم يكن الحكيم خصّه بذلك الفرد.
فلا وقع لما ذكره بعض الأفاضل في هذا المقام اعتراضا على المصنّف في حكمه بالصحّة ، من أنّ المتلازمين إذا لم يكن بينهما علّية ولا مشاركة في علّة وإن جاز اختلافهما في الحكم حسبما ذكره لكن لا يصحّ الحكم بوجوب أحدهما وحرمة الآخر ، وإن اختلف