فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ) (١) .. أي ستروا ما بدا لهم في مشاهدتهم من أسرار الوصلة ، فقال : لا بد من أن أحجبكم عن ذاتي بصفاتي. فتاهوا كذلك فما استعدوا. فأنذرتهم على ألسنة أنبيائي الرسل ، في ذلك العالم ، فما عرفوا : لأنهم في عين الجمع ، وخاطبهم الحق من عين التفرقة ، وهم ما عرفوا عالم التفصيل ، فلم يستعدوا. وكان الحب قد استولى على قلوبهم سلطانه ، غيرة من الحق في ذلك الوقت.
فأخبر تعالى نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم ، روحاً وقرآناً ، بالسبب الذي أصمهم عن إجابة ما دعاهم إليه ، فقال : (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ) (٢) .. فلم يسمعها غيره ، (وَعَلَى سَمْعِهِمْ) .. فلا يسمعون سوى كلامه على ألسنة العالم ، فيشهدونه في العالم متكلماً بلغاتهم : (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) .. من سناه ـ إذ هو النور ـ وبهائه ، إذ له الجلال والهيبة : يريد الصفة التي تجلى لهم فيها المتقدمة ..
فأبقاهم الحق غرقى في بحور اللذات بمشاهدة الذات ، فقال لهم : لا بد لكم من (عَذَابٌ عظِيمٌ) فما فهموا ما العذاب ، لاتحاد الصفة عندهم.
فأوجد لهم الحق عالم الكون والفساد ، وحينئذ علمهم «جميع الأسماء» ، وأنزلهم على العرش الرحماني ، وفيه عذابهم ، وقد كانوا مخبوئين عنده في خزائن غيوبه ، فلما أبصرتهم الملائكة خرت سجوداً لهم ، فعلموهم الأسماء ..
فأما أبو يزيد ، فلم يستطع الاستواء ، ولا أطاق العذاب ، فصعق من حينه. فقال تعالى : «ردوا علي حبيبي ، فإنه لا صبر له عني».
فحجب بالشوق والمخاطبة.
__________________
(١) الآية ٦ من سورة البقرة.
(٢) الآية ٧ من سورة البقرة.