لكون (١) معلومه وغايته من أجلّ المعلومات والغايات
______________________________________________________
(١) علّة لكون هذا العلم أجلّ العلوم لأنّ جلالة العلم إنّما هي بجلالة معلومه وغايته.
ومعلوم هذا العلم هو إعجاز القرآن وغايته تصديق النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بكلّ ما جاء به الّذي هو وسيلة إلى الفوز والظّفر بالسّعادات الدّنيويّة والأخرويّة.
نعم ، اعترض في المقام بما حاصله : من أنّ تعليل الشّارح كون علم البلاغة من أجلّ العلوم بكون معلومه من أجلّ المعلومات فاسد ، سواء أريد بعلم البلاغة القواعد المذكورة فيها كما هو الظّاهر ، أو أريد به الإدراك أو الملكة الّتي يقتدر بها على الإدراكات الجزئيّة واستحضار القواعد الّتي حصل من ممارستها تلك القوة الرّاسخة.
وجه الفساد في الأوّل أنّ المراد من معلوم العلم القواعد الكلّيّة المذكورة في العلم مثل كلّ حكم منكر يجب تأكيده ، وكلّ حكم مشكوك يحسن تأكيده ، وكلّ فاعل مرفوع ، وكلّ خمر حرام ، وهكذا ، والمفروض أنّ المراد بالعلم أيضا ، تلك القواعد فحينئذ يكون قوله : «لكون معلومه من أجلّ المعلومات» تعليلا لشيء بنفسه وهو فاسد.
وأما في الثّاني فلأنّ قوله : «لكون معلومه من أجلّ المعلومات» لا يكون صالحا لأن يجعل علّة لكون علم البلاغة من أجلّ العلوم ، وذلك لأنّ ما ثبت قبل التّفريع ليس إلّا أنّ هذا العلم به يكشف عن وجوه إعجاز القرآن أستارها وبه يعرف أنّ القرآن معجز لكونه في الدّرجة القصوى من البلاغة فيصير ذلك وسيلة إلى تصديق النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والفوز بالسّعادات الدّنيويّة والأخرويّة ، وكون العلم له هذا الشّأن الرّفيع لا يستدعي أن يكون معلومه ـ أي مسائله وقواعده ـ من أجلّ المعلومات والمسائل على نحو يستدلّ على أشرفيّة العلم الموصوف بالصّفات المذكورة بأشرفيّة هذا المعلوم.
وبعبارة وجيزة : إنّ الجمل السّابقة ناطقة بأشرفيّة نفس العلم لكونه كاشفا عن وجوه الإعجاز أستارها لا على أشرفيته بأشرفيّة معلومه.
ويمكن الجواب بأنّ المراد من العلم هو الأصول والقواعد ومن المعلوم المعلوم منها ، أي ما يعرف من تلك القواعد ويحصل العلم به من أجل ممارستها وهو كون القرآن معجزا ، وليس المراد به المعلوم بمعنى نفس الأصول والقواعد حتّى يلزم تعليل الشّيء بنفسه ، فلا يرد الأشكال الأوّل لمغايرة المعلوم وهو كون القرآن معجزا للعلم وهو نفس الأصول والقواعد.