الشيعة لا يُطعن في إمامتهم في كلّ ما ذكره من العناوين ، وكانت بيدهم أزمّة الزعامة ، كشيخ الأمّة ومعلّمها محمد بن محمد بن النعمان المفيد ، وعلم الهدى سيّدنا المرتضى ، والشريف الرضي ، وأبي الحسين النجاشي ، والشيخ أبي الفتح الكراجكي ، والشريف أبي يعلى ، وسلاّر الديلمي ، ونظرائهم ؛ فهو إمّا أنَّه لم يحسّ بهم لخلل في حسّه المشترك ، أو أنَّه مندفعٌ إلى الإنكار بدافع الحَنَق ، وأيّا ما كان فنحن لا نبالي بما هو فيه ، وكلّ قصدنا تنبيه القارئ إلى خطّة الرجل ، حتى لا يغترّ بما له من صخب وتركاض.
ولعلّك تعرف شيئاً ممّا حوته صفحات هذا الكتاب المزوّر من الكذب ، والزور ، والبهت ، والتدجيل ، والتمويه ، عندما تقف على كلماتنا حول ما يضاهيه من الكتب المزوّرة.
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ) (١)
٤ ـ
الفِصَل في الملل والنحل (٢)
يجب على من يكتب في الملل والنحل قبل كلّ شيء الالتزام بالصدق والأمانة أكثر ممّن يؤلّف في التاريخ والأدب ، حتى يأمن بوائق هذا الفنّ من قذف الأمم من غير استناد إلى ركن وثيق ، وتشويه سمعة الأبرياء بمجرّد الوهم أو الخيال ، فلا يخطّ إلاّ وهو متثبّت في النقل ، معتمد على أوثق المصادر ، حتى يكون ذلك مُعذِّراً له عند المولى سبحانه ، فلا يؤاخذ بالبَهت على الناس والوقيعة فيهم.
غير أنّ ابن حزم لم يلتزم بهذا الواجب ، بل التزم بضدّه في كلّ ما يكتب ،
__________________
(١) الرعد : ٣٧.
(٢) تأليف ابن حزم الظاهري الأندلسي : المتوفّى ٤٥٦. راجع : ١ / ٣٢٣. (المؤلف)